الرئيسية / أخبار محلية / تاثير الحرب الهجينة على الاقتصاد

تاثير الحرب الهجينة على الاقتصاد

فارس آل سلمان

الحرب الهجينة (Hybrid Warfare) هي مفهوم استراتيجي عسكري وسياسي معاصر، يصف أسلوباً متعدد الأوجه في الصراع، يجمع بين تكتيكات الحرب التقليدية وغير التقليدية، العسكرية وغير العسكرية، في وقت واحد وبطريقة متكاملة ومتزامنة.

هدفها الرئيسي هو تحقيق النتائج الاستراتيجية مع تجنب التصعيد المفتوح أو تحمل التكاليف الباهظة للحروب التقليدية. و هي استراتيجية مرنة ومدمرة تعكس تعقيدات القرن الحادي والعشرين.

تُمكّن الدول المتقدمة تقنيا أو الفاعلين من خوض صراع شامل دون إعلان حرب رسمي، مستفيدةً من الثغرات في الأنظمة القانونية والتقنيات الحديثة وطبيعة المجتمعات المعاصرة. و أصبح الفهم العميق لها وأساليب مواجهتها ضرورة حتمية للأمن القومي والدولي.

ما يميز الحرب الهجينة انها تستخدم ادوات غير منظورة في ميدان المعركة، اذ تستهدف الضرب بالعمق بطريقة مشابهه للضربات العسكرية الكتلوية لكنها دون ملامح بايولوجية او كيمياوية او اشعاعية وبذات الوقت تعطي اثرا مدمرا مشابها للضربة الكتلوية يستهدف المجتمع والبنية التحتية الاقتصادية والمادية واللوجيستية.
ومن هذه الادوات؛ الانباء المضلله، الضغط اقتصادي، الهجمات السيبرانية، الهجمات الادراكية وكسر الاتجاه، الضغوط القانونية والدبلوماسية، تحليق مسيرات مجهولة المصدر، عقوبات اقتصادية، حظر جوي و ما شابه، تلاعب بالأسواق، استغلال التبعيات الاقتصادية، حروب المياه، الحروب المعلوماتية…الخ وقد تصاحبها تحركات عسكرية محدودة على الارض.

بمعى اخر الحرب الهجينة هي العمل في منطقة رمادية بين السلم والحرب، فضلا عن صعوبة تحميل جهه معينة مسؤولية هذه الاعمال بشكل قاطع…. اي انها فعاليات مؤذية للخصم لكنها تحت عتبة الحرب النظامية المعلنة.

ترتكز الحروب الهجينة على؛

الإنكار المقبول (Plausible Deniability):
تصميم العمليات بحيث يصعب إثبات تورط الدولة المهاجمة بشكل قاطع (مثل استخدام وكلاء، تنظيمات مسلحة “غير رسمية”، قراصنة مستقلين).

استهداف نقاط الضعف المجتمعية:
التركيز على الانقسامات العرقية، الدينية، السياسية، أو الاقتصادية داخل الدولة المستهدفة لزعزعة استقرارها من الداخل.

عدم وضوح الخطوط الفاصلة:
طمس الحدود بين الحرب والسلم، بين المدني والعسكري، بين الداخلي والخارجي.

فعالية التكلفة:
تحقيق أهداف استراتيجية كبيرة بتكاليف مادية وبشرية أقل مقارنة بالغزو العسكري الشامل، او الحرب المباشرة ، وتجنب الردود الدولية المباشرة.

غالبا ما يستخدم الخصم الذكي والمتفوق تقنيا حزمة الفعاليات الهجينة و يمزج بين القدرات التقليدية و التكتيكات غير النظامية لانتاج اثر اكبر من استخدام هذه التكتيكات منفردة.

و قد ساعدت الثورة الرقمية و شيوع وسائل التواصل الاجتماعي على توفير نظام تشغيلي جديد للحرب الهجينة، وبيئة حاضنة للحرب الادراكية.

و من اهم الفعاليات الحربية غير العسكرية المؤذيه هي الحرب الهجينة ضد الاقتصاد. واهم ادواتها هي الهجمات السيبرانية ، فضربة رقمية صغيرة في المكان الصحيح تنتج اثرا ماديا و اقتصاديا كبير، و تكون المسؤولية غامضة لفترة تكفي لتعطيل رد الخصم او الضحية.
كما تستنزف منه جهدا ومالا لاعادة الامور الى نصابها.

يكون الهجين السيبراني ناجحا عندما يضرب مفاصل حساسة مثل مراكز التحكم و سلاسل التوريد وبنية الطاقة مستفيدا من صعوبة تحديد المسؤول القائم بالفعل او الهجوم بسبب الغموض و يتسبب بخسائر مالية ضخمة ويجبر الخصم او الضحية على اتباع اجراءات امنية اوسع و هي مكلفة كثيرا لحماية منشآته.

تؤثر الحرب الهجينة (Hybrid Warfare) والهجمات السيبرانية (Cyber Attacks) بشكل عميق ومتعدد الأبعاد على الاقتصادات العالمية، سواء على المستوى الوطني (الدول) أو القطاعي (الشركات) أو الفردي (المستهلكين). هذا التأثير يتجاوز مجرد الخسائر المالية المباشرة ليشمل زعزعة الاستقرار، تقويض الثقة، وتعطيل سلاسل القيمة الحيوية. من هذه التأثيرات:

1. التأثيرات الاقتصادية المباشرة:

أ- خسائر مالية فادحة:

– تكاليف إصلاح البنية التحتية المتضررة (أنظمة حاسوبية، شبكات، معدات صناعية).
– فديات لقراصنة في حال هجمات “الفدية” (Ransomware).
– خسائر الإنتاج بسبب توقف العمليات ( توقف مصانع أو خدمات لوجستية).
مثال: هجوم “NotPetya” 2017 تسبب في خسائر تُقدَّر بـ 10 مليارات دولار لشركات مثل “Maersk” للشحن و”Merck” للأدوية.

ب- تدمير الأصول الاستراتيجية:

هجمات على مرافق الطاقة (مصافي النفط، محطات الكهرباء) تؤدي إلى انقطاع الإمدادات وارتفاع الأسعار.
مثال: هجوم “Colonial Pipeline” 2021 في الولايات المتحدة أوقف أكبر خط أنابيب للوقود، مما تسبب في نقص الوقود وارتفاع الأسعار بنسبة 4٪.

2. التأثيرات غير المباشرة:

أ- تعطيل سلاسل التوريد العالمية:

– هجمات على شركات شحن أو أنظمة جمركية تعطل تدفق البضائع (مثل: هجوم 2022 على موانئ جنوب إفريقيا).
النتيجة: نقص سلع أساسية، تضخم، وارتفاع تكاليف الاستيراد/التصدير.

ب- تآكل ثقة المستثمرين والأسواق:

– عدم الاستقرار يدفع المستثمرين إلى سحب أموالهم من أسواق الأسهم أو العملات.
– تراجع تصنيفات الدول الائتمانية

ج- ارتفاع تكاليف التأمين والأمن السيبراني:

– شركات التأمين ترفع أقساط تغطية المخاطر السيبرانية.
– الحكومات والشركات تضخ مليارات الدولارات في تحديث أنظمة الحماية.

3. تأثير الحرب الهجينة على الاقتصاد الكلي:

أ- زعزعة الاستقرار السياسي والاجتماعي:

عمليات التضليل الإعلامي (Fake News) تثير احتجاجات أو إضرابات تعطل الاقتصاد.
النتيجة: انخفاض الإنتاجية، هروب رؤوس الأموال، وتأجيل الاستثمارات الأجنبية.

ب- استهداف البنية التحتية الحيوية:

هجمات على شبكات الكهرباء ( توقف المستشفيات والمصانع والمصارف).
هجمات على القطاع المالي (أنظمة الدفع، البورصات) تُسبب انهيارات مؤقتة.

ج- استنزاف الموارد الوطنية:

تضطر الدول لتحويل ميزانيات كبيرة من التنمية إلى الدفاع السيبراني والاستخبارات.

4. قطاعات اقتصادية معرَّضة للخطر بشكل خاص:

التأثير الاقتصادي: ارتفاع اسعار الوقود و ازمات تموينية القطاع المستهدف هو قطاع الطاقة ، امثلة على الهجمات : Colonial pipe line

التأثير الاقتصادي: فقدان ثقة العملاء، غرامات مالية، مثال على الهجوم (اختراق انظمة الدفع Swift) القطاع المستهدف هو قطاع الخدمات المالية

التأثير الاقتصادي: تعطيل الرعاية الطبية ، خسائر بشرية ، مثال هجمات الفدية على المستشفيات، القطاع المستهدف هو قطاع الصحة

التأثير الاقتصادي: شلل في التجارة الدولية، تضخم ، مثال اختراق أنظمة الموانئ ( 2022 جنوب افريقيا) القطاع المستهدف هو قطاع النقل واللوجستيات

التأثير الاقتصادي:خسائر انتاجية ، تلف معدات مثال هجوم Stuxnet
توقف أنظمة التحكم الصناعي في شركة سيمنز 2010 . القطاع المستهدف قطاع التصنيع

التكاليف الاجمالية عالميا:

تُقدِّر شركة “McAfee” الخسائر العالمية من الجرائم السيبرانية بـ أكثر من 1 تريليون دولار سنويًا (ما يعادل 1٪ من الناتج المحلي العالمي).

وفقًا ل “المنتدى الاقتصادي العالمي” (WEF) تُعد الهجمات السيبرانية واحدًا من أكبر 5 تهديدات للاقتصاد العالمي.

كيف تتعامل الدول والشركات مع هذه التهديدات:

تعزيز الأمن السيبراني: استثمارات ضخمة في أنظمة الذكاء الاصطناعي لاكتشاف التهديدات.

التشريعات: قوانين جديدة تلزم الشركات بالإبلاغ عن الهجمات (مثل: لائحة NIS2 في الاتحاد الأوروبي).

التعاون الدولي: مبادرات مثل “اتفاقية بودابست” لمكافحة الجريمة السيبرانية.

بناء المرونة: خطط طوارئ لضمان استمرارية الأعمال (مثل: نسخ احتياطية لأنظمة البيانات).

بالمحصلة لم تعد الحرب الهجينة والهجمات السيبرانية تهديدات افتراضية، بل أدوات تدمير اقتصادي تسبب:

خسائر فورية في الإنتاج والإيرادات.
اضطرابات طويلة المدى في سلاسل التوريد والاستثمار.
تغيير جيوسياسي لصالح الدول المالكة لهذه التقنيات (مثل روسيا، الصين، إيران).
تحول جوهري في أولويات الإنفاق الحكومي والشركات من التنمية إلى الدفاع.

لذلك في عالم أصبحت فيه البيانات هي “النفط الجديد” فإن حماية الفضاء السيبراني أصبح شرطًا لبقاء الاقتصادات الحديثة.

* رئيس الهيئة الادارية لمنتدى بغداد الاقتصادي

شاهد أيضاً

د. صبا طالب: الدفع الإلكتروني خطوة مهمة نحو التحول الرقمي ومجتمع أكثر شفافية

الأضواء / بغداد / خاص أكدت الخبيرة في الشأن الاقتصادي د. صبا طالب أن الدفع …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.