كتبت : رند علي الأسود – العراق
في سن الأربعين كتبَ آخر مقالاته في آخر جزء من ( النظرات) ( أشعر أن الموت يسرع نحوي ، ما انا آسف على الموت يوم يأتيني ، فالموت غاية كل حي ، ولكني أرى أمامي عالماً مجهولاً ، لا أعلم مايكون حظي منه، واترك ورائي أطفالاً صغاراً ، لا أعلم كيف يعيشون من بعدي ، ولولا ماأمامي ، ومن ورائي ، ما باليت أسقطتُ الموت أو سقط الموت علي). يعتبر مصطفى لطفي المنفلوطي صاحب النظرات والعبرات ، في رأي وفي رأي الكثيرين نابغة أدبية وثقافية جاد بها الزمن في وقت كانت الثقافة العربية والمصرية تستعيد نهضتها وتنفتح على فنون وآداب الحضارة الغربية. أتصفَ شعره بالرصانة، نبغ في الإنشاء والأدب وترجم الكثير من الروايات الفرنسية الشهيرة بأسلوب أدبي عربي متميز، رغم عدم إجادته الفرنسية ، فكان يستعين بالمترجمين ولم تكن مهمته النقل والترجمة بل صبغها بالهوية العربية وجعلها تتلائم مع قيمنا وعاداتنا فيما يشبه إعادة تدويرها ، فكان يهتم بجمال العبارة، والعناية بالصياغة. ترجمَ رواية مجدولين ( تحت ظلال الزيزفون ) للكاتب الفرنسي الفونس كارل ، وكذلك ومسرحية ( في سبيل التاج ) للأديب الفرنسي فرانسوا كوبيه ، كما ترجم رواية “بول وفرجيني” تحت عنوان “الفضيلة”. ومن ترجماته أيضا رواية “سيرانو دي برجراك” للكاتب الفرنسي أدموند روستان التي نشرها بعنوان “الشاعر” وقد بدأ من عام 1907 على كتابة مقالاته في صحيفة “المؤيد” الشهيرة تحت عنوان: “نظرات”، وهي المقالات التي جُمعت بعد ذلك في ثلاثة مجلدات بعنوان: “النظرات”، تناقش الأدب الاجتماعي والنقد والسياسة والإسلاميات، إضافة إلى مجموعة من القصص القصيرة. والكتاب الثاني الشهير للمنفلوطي هو “العبرات” (وهو يتضمن تسع قصص، ثلاث منها ألفها هو وخمس عربها، وواحدة اقتبسها)، وقد طبع عام 1916. ولدَ المنفلوطي في عام 1876 لأب مصري وأم تركية ،وينتسب لقبه إلى مدينة منفلوط في محافظة أسيوط التي ولدَ بها في بيت زاخر بالعلم والصوفية حيث مجالس التلاوة وحلقات الذكر ، و في الكُتاب حفظ القرآن الكريم وأرسله بعد ذلك والده ليستكمل تعليمه وهو ابن عشر سنوات . ( المنفلوطي ومحمد عبده ) عندما كان يدرس في الأزهر قابل الإمام محمد عبده … واعجب به ولزمَ دروسه وصار من مريديه وعندما وقع الخلاف المشهور بين محمد عبده والخديوي عباس حلمي ، نظم المنفلوطي قصيدة هِجاء في الخديوي دخلَ على أثرها السجن لمدة ستة أشهر .. ” الحرية شمسٌ يجب أن تشرق في كل نفس، فمن عاشَ محروماً منها عاشَ في ظلمة حالكة ، يتصلُ اولها بظلمة الرحم وآخرها بظلمة القبر ” .. كان يميل الى التشاؤم ويرى الحياة دوماً قصيرة ، لايرى فيها إلا صفحات سوداء ، رغم أن أسلوبه كان يتميز بصدق العاطفة واندفاعه في الحفاظ على قيم المجتمع وحرصه على نشر الفضيلة من خلال كتاباته. وقد صدق حدسه فقد توفي المنفلوطي عن عمر يناهز الـ ٤٧ عاماً أثر ذبخة صدرية و تسمم في الدم ناتج عن احتباس في البول وكان وقفة عيد الأضحى ، وفي نفس يوم وفاته وقعَ اعتداء على سعد زغلول فانشغل الناس ولم يشيعه الآف المشيعين ممن يعجبون بأدبه ونبوغه . فكما يقال : ( الحياة حلم يوقظنا منه الموت). فسلاماً على صاحب النظرات . المصادر : كتاب “صفحات منسية من تاريخ بعض المشاهير” ( محمد صلاح زكريا ) “مصطفى لطفي المنفلوطي في ضوء النظرات والعبرات” للدكتور ( محمد رئيس عالم الدين ).