الرئيسية / آراء حرة / السرد العجائبي وفعله الإثرائي في النص القصصي (النور الأسود) لــ(ناصر الجاسم) نموذجاً

السرد العجائبي وفعله الإثرائي في النص القصصي (النور الأسود) لــ(ناصر الجاسم) نموذجاً

كتب :  د. محمد جري جاسم النداوي -العراق

النور الأسود هي احدى المجاميع القصصية الثمان التي صدرت للقاص والروائي السعودي الاحسائي ناصر سالم الجاسم، فضلاً عن أربع مجاميع قصصية لا تزال مخطوطة، وثلاث روايات مطبوعة وواحد تنتظر مشوارها نحو دور الطباعة والنشر. هذه المجموعة الصادرة عن مؤسسة الانتشار العربي سنة 2020 وبرعاية نادي أبها الأدبي، تتميز بعدة ملامح شكَّلت جمالية نصوصها وتنوعها، لا سيما اهتمامها بالتوظيف العجائبي في بعض متونها السردية التي افردنا لها هذه الدراسة، وقد كان لذلك التوظيف أثره في إثراء النص ومنحه عمقاً وبعداً تأويلياً أسهم بدرجة كبيرة في بناء النص، وسيرورة السرد، فضلاً عن تمريره لإيديولوجيا ناقدة للسائد من مفاهيم باتت متجذرة في المخيلة الجماهيرية العامة. وليس ذلك فحسب، بل إنها، وفي مفاصل محددة من متونها السردية، عملت على توظيف اللهجة الاحسائية، من أجل منح تلك المتون بعداً واقعياً يقربها من متلقيها، ويغدق عليها سمة المصداقية نوعا ما. يؤازرها في ذلك ما رسمته قصصها من فضاءات قُدِّمت من خلال انطباعات الشخصيات السردية، هذه الانطباعات ماهي إلّا تداعيات اتصال الشخصيات مع فضائها وتفاعلها فيه وتوحدها معه، وبذلك أسهمت تلك الفضاءات، وبدرجة كبيرة، في التمكين من قراءة سيكولوجية الشخصيات وطريقة حياتها وكيفية تعاملها(1). مما سمح في تحقيق فهم أكبر لأبعاد النص واستكناه عالمه الخيالي, فهي من جهة تكون أشبه بالشاشة التي تعرض المادة السردية ومجريات الأحداث, ومن جهة أخرى تكون أكثر استجلاء للانطباع الداخلي للشخصيات وشعورها تجاه فضائها الحاوي لها.

تعريف بمصطلح العجائبي:-

تعود الجذور الأولى لكلمة عجائبي/ فانتاستیك لدى الغرب إلى الكلمة الیونانیة  Fantasticos والتي تعني كل ما له صلة بالخيال L’imagination، والوھمي illusoire، والأسطوري Ligendaire_mythique، وقد اتسعت لفظة الفانتاستيك لتشمل كل ما له صلة أيضاً بالروعة Superfiant géniale ,extraordinaire formidable، أو الذي له علاقة بالذعر كالمخيف  terrible والمرعب Effarant، وغيرها(2). فالسرد العجائبي يرتبط بالتخييل كما يرتبط بالمعنى الحرفي لكل ما يورد فهو لا يحتمل الترميز والإحالة إلى ظواهر الطبيعة، بل يخترق كل ذلك ليؤسس لذاته بوساطة تصدع النظام المعترف به، واقتحام اللامعقول في الشرعية اليومية التي لا تتبدل(3)، من أجل ذلك برز السرد العجائبي طريقةً مثلى لتكسير القوالب الواقعية التقليدية، والبحث عن طرق للترميز تهدف إلى تمرير الانتقادات السياسية أو الاجتماعية أو الدينية.

للسرد العجائبي أهمية كبيرة لدى الباحثين والنقاد والمتلقين على اختلاف مستوياتهم المعرفية، وحتى المبدع، تتأتى من قدرته على احتواء تراث الأمة أو الجماعة وتمثيله تمثيلاً سردياً يتسم وروح العصر وطابعه العام، فالسرد العجائبي هو شكل من أشكال السرد العربي المعروف منذ القدم، ورسائل ابن شُهيد وابي العلاء المعري وبعض رسائل اخوان الصفا، وحكايات ألف ليلة وليلة، خير دليل على شخف الأديب العربي بهذا الجنس السردي، ذلك أن وجود العجائبي في النص السردي (( يترك أثراً خاصاً في القارئ خوفاً أو هولاً، أو مجرد حبّ استطلاع، الشيء الذي لا تقدر الأجناس الأخرى على توليده)) (4)، فضلاً عن قدرته على استنطاق الإرث المجتمعي داخل المتلقي.. والكشف عن تفاصيله.. وجعله في مواجهة مع هذا الإرث، بعد أن يبرزه للسطح بشكل واضح فيتركه متفاعلاً أو متماهياً او متماثلاً معه، فهو تجسيد عمّا تجذر في المخيلة العامة من تناقضات وصراعات وأوهام يعجز الانسان عن حسمها لصالحه أو حتى سبر أغوارها، وبذلك يتم تسليط الضوء عليها في هذا النمط من السرد كطريقة جريئة للمواجهة والمجابهة وليست طريقة للهروب، كما يرى بعض النقاد والباحثين الذين زعموا أن الميل نحو العجائبية هو دعوة للهروب من الواقع، والانسلاخ من عالم الانسان المُثقل بضيقه ورعبه وسطوته وتسلطه، بل نجد أن التوظيف العجائبي في النص السردي الحديث محاولة لاِستنطاق المكبوت والمنفي في عوالم الذاكرة ومواجهته بكل جرأة وجدية. كما أن لتوظيف العجائبي توق لكل ما هو غريب.. توق لاكتشاف عوالم خفية.. ومد جسور المعرفة لهذه العوالم ومحاولة الاحاطة بها قدر الامكان.. فطالما كانت تلك العوالم مبهمة وغريبة عن الانسان، ظلت على اثر ذلك تستدعي فضوله وتستحثه لاكتشافها. إذ إن المُتتبع لقصص (النور الأسود) للقاص السعودي (ناصر سالم الجاسم) يجد أنها تحيل على عوالم متعددة ومتشعبة الأجواء تتراوح بين عوالم الغرائبي والعجائبي التي تتسم بخرق المألوف في تصوير متونها السردية، فضلاً عن تمثيلها لعوالم شعبية لها أفكارها ولهجتها الخاصة أيضاً، فضلاً عن تجسيدها لمعتقداتها المتسمة بالغرابة طوراً وبالسذاجة طوراً آخر، والمستمدة من واقعها الذي نشأت فيه، فحاولت تلك العوالم المتخيلة أن لا تكون مرآة لواقعها ذلك، أو انعكاساً لحيثياته وتفاصيله، بقدر ما تجسد موقفهاً منه. فقصة (ركاب الجن) قد تتمكن من ترسيخ القناعة أن الميل نحو العجائبية هو محاولة لاِستكشاف المهارة التأثيرية في المتلقي عند زجه في تلك العوالم المرعبة أحياناً، عوالم الجن والمردة والعفاريت، وإن هذه المهارة التأثيرية قد تعزز كبرياء الكاتب في تحقيقه المقدرة التأثيرية التي ربما ستتعالى إلى شحنة تطهيرية حينما يتحقق الاندماج مع عالم النص العجائبي، إذ تدور احداث هذه القصة حينما قام الشيخ خبير الحدود البلدية بسرد أحداث أرض ركاب الجن وبيان قصة عائدية الارض لرجال المساحة من البلدية، وقد ابتدأت أحداث الحكاية برسم الأجواء الفنتازية لِلَيلَة استحضار الجن واجتماعهم في الأرض للسمر والرقص والطرب: ((فقد اجتمع السمّار في تلك الليلة الفاحمة السواد وثبر خليفة وثبر أبيرد يجريان وطشطشة الماء أسمعها، وحيش السدر غابة خضراء تعجز أذناي عن رصد مكان الخرفشات على أغصانها، وقبر الزري وقبر العندل لم يجف ترابهما بعد، وخطرفات بين القبور تلتقطها أذناي بعد انتهاء كل وصلة سامرية، والنار المشتعلة وسط هذه الأرض كانت شجرة تكبر كلما كبر عدد السمار حولها، وجلود الأرانب اليابسة في الطيران والطبول تمزقت من طربة السمار، فكلما طربوا أكثر دفأوها بالنار أكثر حتى لانت فمزقتها دقات الحماسة، وساد الرعب والخوف هذه الأرض ونفذ إلى أقدام الرجال البيض الملتفين حول السامر، وحتى قدماي هاتان نفذ إليهما […] لكن الرديني كان رجلا قوياً استطاع ضبط السمرة وضبط المنزّلين فيها وضبط المدد الآتي من السماء […] قيد إيقاع وحركة كل شيء في السمرة إلا الرجال الثلاثة سمح لهم بالنزول في الساحة […] فأول رجل منهم بلغ به الطرب أوجه فنزلته الجن ثم نزل الساحة كان الحميدي بائع الجن..))(5). تستمر القصة على هذا السياق لتسرد وقائع ما جرى بين الجن والرجال الثلاثة أصحاب الأرض المتنافسين فيما بينهم، بعد توظيف عين الكاميرا التي ستلتقط تحركات كل واحد منهم، لترسم أجواءً عجائبية تبعث على الخوف والرهبة، وتخلق لحظة من التوحد مع النص، أو بالأحرى مع المتن الحكائي له، هذه اللحظة ستحقق بعداً آخر للسرد لا يحاكي الجزء الواعي عند المتلقي، على الرغم من أن هذا الجزء هو الذي يقوم بفعل التلقي، بل يحاكي الجزء اللاواعي فيه، حينما سيحرك النص العجائبي ما ركد من ذكريات في قاع الذاكرة الخاملة، ويستنهضها من جديد، باثاً الروح فيها كي تظهر للعلن على شكل خوف ورهبة، حينما ينسل المتلقي من عالمه الواقعي إلى لا واقعية النص، وفي تلك اللحظة سيكون مقدر لكل الإدراكات والاحاسيس التي تريد أن تتحرر بالتحرر من كبتها، وهذه اللحظة التي قال عنها أرسطو أنها تؤدي إلى التطهير، يمكن أن تسمى لحظة الوعي اللاإرادي بالمساحة المضمرة من النص. أما قصة (النزر) فإن عالمها يتشكل تشكلاً فنتازياً على الرغم من بساطة الاحداث والحياة الواقعية التي يصورها لشخصيات هذه القصة التي تدور أحداثها حول مأساة  الشخصية (جوزة) التي تفقد جنينها بسبب الاسقاط، هذا الإسقاط وبحسب العالم المتخيل للقصة الذي تحكي جزء منه العجوز غنما يحدث بسبب الجن الذين تمكنوا من إيذاء جوزة وسببوا لها الإسقاط، حينما دخلت عليهم جارتهم (أغزيوه) في وقت الغروب صارخة بوجه جوزة ومتهمة إياها بالسرقة: ((إلين دخلت أغزيوه دخلة الشر علينا، تحمل شياطينها فوق راسها، حتى طاح الجاعد وأنا قاعد مثل ما يقولون، دخلت مغربية والجناني توها حاضرة معنا على السفرة، وصرخت ذيك الصرحة الطويلة، وزقعت على بنتي: قومي يالسراقة البواقة، يالمتسيتله المتخيتله طلعي اذهبي، الفتاشة العماني ورتني صورتك في طاسة الماء، وروعتها حسبي الله عليها وهي روعتها، وكانت الروعة سبه لها، وتبين أن ذهبها على أمها في العرس ترقص به…))(6). هذا الحوار على الرغم من بساطته، إلا أنه يصور جدية الموقف وعنفه، لاسيما وأنه جاء باللهجة العامية لتلك الشخصيات التي منحت الحوار صدقه وأمانته حتى وإن كان مسروداً على لسان الجدة التي صورت الواقعة كما هي لتؤكد دخول الروع والرعب جسد (جوزة) وقت الغروب جراء تلك الحادثة، مما سبب إيذاء الجن لها: ((قال الراوي: وتسلل الجن خفية إلى رحم جوزة دون أن تدركه الأبصار ولا الأسماع، ولا يعلم أحدٌ كمْ عددهم ولا دياناتهم، فانقضوا على جنينها، ومزقوه داخل بطنها، وختموا كل قطعة منه بآثار غضبهم وحقدهم على أمه جوزة…))(7). بعيداً عمّا قاله الراوي، على الرغم من إسهامه في زيادة عجائبية النص، إلا أن هنالك بعض القناعات ربما تكون متجذرة في المخيلة العربية العامة، لاسيما لدى أجيال الآباء والأجداد الذين لم يتأثروا بتقنيات العصر الحديث، ولم ينغمروا بعولمته، تلك القناعات ألمحت إليها القصة، وسلطت الضوء عليها بقوة، لتثير بعضاً من تناقضات واقعنا الذي نعيشه، متمثلة بمحنة المرأة التي تسقط جنينها، ويتم عزو ذلك إلى عوالم غيبية مارست اختراقاتها للعالم الواقعي، وتحكمت فيه بكل جرأة. من أجل ذلك جاء الراوي العليم بكل ما خفي، ليؤكد ظنون العجوز غنما، وليكمل أحداث إسقاط الجنين بفعل الجن، الذين لم يُحتَرَم تواجدهم في وقت الغروب، بعد أن هلعت جوزة ودخلها الروع في تلك اللحظة.

إن توظيف السرد العجائبي في هذه القصة، وعلى الرغم من الواقعية التي سارت عليها في مفاصل عديدة من مبناها الحكائي، يجسد ازدواجية الرؤية لدى الشخصيات التي أسقط عليها المؤلف تمثلاتها للواقع، فجسدت موقفها الواضح من ذلك الواقع الذي بات يعيش إزدواجية في كثير من رؤاه ومنطلقاته مما أدى الى وصمه بالتناقض. أما قصة (فراشة الميت) فعلى الرغم من الواقعية التي بُني عليها مبناها السردي، إلّا أن نهايات ذلك المبنى اتسمت بالتمظهر اللاطبيعي، فأحداث القصة تدور حول حفل زفاف فتاة كان قد قُتِلَ أخوها غدراً – فيما مضى- ولم يُكتَشَف قاتله، غير أن روحه تعود إلى البيت على هيئة فراشة فاقعة الصفرة، تظهر للأم، وللأخوات في يوم الزفاف، تظل ترفرف على صدورهن وخدودهن وكأنها تقبل تلك الخدود، وتتوسل بالحنان من صدر الأم: ((ظهرت لهن، ولم تنتبه لها أي واحدة من النسوة الراقصات، ولا النسوة المغنيات، ولا النسوة اللاتي يراقبن ساحة الرقص […] ظهرت للأم وهي تجدد صبغة شفتيها بعود الديرم، وظهرت للعروس […] وظهرت للأخت الكبرى وهي ترقص الوصلة الأخيرة من أغنية البرتقالة، وظهرت للأخت الصغرى […]أكثر نظر لها كان إلى عيني الأم، وأكثر مكث لها كان على صدرها، وكأنها تطلب الحنان […] عند طلائع الفجر اجتمعت الأم مع ابنتيها لتجلو لهما خبر الفراشة الذي هزَّ وجدانها، بعدما انتهت الأم من قص خبرها، ظهرت على شفتي الأخت الكبرى، وفي عينيها علامات البوح، فسبقتها أختها الصغرى ونطقت: هذا أخونا الأعزب الميت، المقتول غدراً…))(8). هذا النص ألقى بالضوء على بعض ما تجذر في المخيلة العامة من أن المقتول تبقى روحه تتردد على أهلها، لاسيما إن لم يتم أخذ الثأر له. وقد تم تجسيد هذه الفكرة بمسحة من العاطفة والخيال الواسع، الذي لم يكتفِ بالتمثيل الواقعي، بل تجاوز ذلك إلى اللاواقعي واللاطبيعي. أما قصة (طير العرفج) فإن عجائبية النص تتمحور حول ادعاءات عرافة جوالة تزعم أن هنالك طائر يسمى (طير العرفج) سيختار احدى الفتيات الجميلات لينام معها ليلاً، هذا الطائر تم تصويره بشكل فنتازي، فهو ((يبدل عينيه في كل مرة من الاسود الى العسلي الى الأزرق […] هو طير يقطر في فم كل واحدة منكن ماء البرد بفمه إذا قبلها في فمها وهي عطشى […] هو طير يبدل في كل ليلة ربيعية شعر رأسه الجميل بشعر فتاة جميلة نام معها، وانني أرى في الكتاب أنه قد اختار شعر رأس واحدة منكن واختار النوم معها.. هو طير اذا لامس جسده جسد فتاة جميلة رمى عطره على سرتها ورحل وبقي عطره في جسدها العمر كله […] هو طير إذا أعجبه نهدا فتاة احتضنها وطار بها فوق السحاب، وإنني أرى الآن في الكتاب أنه معجب جداً بنهدي فتاة منكن، ولكنني لن أقول اسمها حتى لا يعلم طير العرفج أنني أكشف أسراره ويغضب علي))(9). أما قصة (أغنية الحطاب الأحدب) فإن أول ما ينبغي الإشارة إليه هو التركيب العجائبي للعنوان الذي استندت عليه في إيحائه لقصة الحطاب الفقير، وهي من القصص العالمية التي تدور أحداثها في عوالم عجائبية في عالم الجن والسحر، غير أن هذه القصة تتميز ببصمتها الخاصة حينما انطبعت بطابع البيئة الصحراوية المألوفة لدى ناصر سالم الجاسم مؤلف النص، الذي لم يكن وفياً للنص الأصل تمام الوفاء، حينما أعاد تشكيله من جديد وبرؤية منحت النص بصمته الخاصة، وشكله الجديد، فجعل من أغنية الحطاب الخيط الذي يُدخله في عالم الجن والعفاريت التي ستأنس بغنائه وتجازيه على ذلك الغناء ذهباً وفضةً، وستزيل عنه حدبته: ((ابتهج زعماء الجن بأغنية الحطاب الأحدب: الجمعة الأنيسة، فتهامسوا بينهم وقد قرروا مكافأته، فأخذوه عندهم بعدما اَختفوا من المكان تاركين فيه آثار أقدامهم ورائحة بخورهم وطيبهم! [..] دخل الحطاب بيته وكيس ذهب فوقه كيس فضة فوق رأسه، ولم يكن فأسه فوق ظهره، وقد اختفت حدبته وهو يغني ويرقص…))(10). إن القصة في مجملها تسير في عالم الجن والأجواء العجائبية، غير أن مرجعيتها أمدتها بقاعدة معرفية استندت عليها من قبل البدء بالنص، أي منذ العتبة الأولى منه، وهو العنوان الذي عمل كآلية اشتغال تأويلية وتناصية في الآن نفسه، فهو من جانب عقد ولاءه لمرجعية فلوكلورية عالمية فتحت للقارئ مجالاً للرؤية وسعة الأفق، وبنى بذلك قاعدة تواصلية معرفية مع متلقيه، ومن جانب آخر أسهم ذلك العنوان في إحكام بناء النص وتوجيه قراءته نحو مسارات محددة، وبذلك كانت للعنوان ونصه ومرجعيته علاقة تأثير وتأثر، بما منح النص ككل جمالية فنية، أسهمت في تحقيق شعريته.

يتضح مما تقدم، أن للسرد العجائبي قوة دلالية قادرة على خلق عوالم جديدة ذات تأثير كبير على المتلقي من غير الاعتماد على الشكل التقليدي للنص القصصي القصير، فهو يقوم على بنية تنصهر فيها روح الحكاية الشعبية والاسلوب السردي الحديث، فضلاً عن التوظيف الاسطوري أيضاً، بما يحقق لذلك السرد العجائبي تمكنه من اقتحام دائرة اللامعقول واللاواقعي وإثارته الدهشة عند القارئ. كما جسَّد ذلك السرد مرجعيات النص إلى الفلكلور الشعبي الذي يشي، وبطريقة غير مباشرة، بمدى اِلتصاق الكاتب بإرثه الاجتماعي والميثيولوجي الذي تلقاه عبر اندماجه وتلاحمه مع مجتمعه، فبات مغمورا في خياله الوقاد.

الهوامش:-

  • الرواية والمكان”2″، ياسين النصير، الموسوعة الصغيرة، دار الشؤون الثقافية العامة، دار الحرية للطباعة-بغداد، 1986، ص 17.
  • ينظر: وظائفية السرد الغرائبي (رواية سيد الخراب نموذجا) رسالة ماجستير للطالبة: ولد سليمان حمامة، جامعة عبد الرحمان ميرة- بجاية- الجزائر، ص9. عن: العجائبية في أدب الرحلات، منشورات جامعة منتوري، قسنطينة، 2005- 2006.
  • ينظر: مدخل إلى الأدب العجائبي: تزفيتان تودوروف، ترجمة: الصدي بوعلام، دار شرقيات، 1994، ص 83.
  • السرد الغرائبي والعجائبي في الرواية والقصة القصيرة في الأردن ، ص33.
  • مجموعة النور الأسود، ناصر سالم الجاسم، مؤسسة الانتشار العربي، بيروت، مطبوعات نادي أبهى الأدبي، المملكة العربية السعودية، رقم الكتاب 365، 2020، ص
  • المجموعة ، ص32.
  • المجموعة، ص32.
  • المجموعة ص79- 80.
  • المجموعة ص، 61- 63
  • المجموعة، ص 8- 10.

شاهد أيضاً

بقلم: المستشار د. فاتن بدر السادة ـ  قطر  كنوز مبدعة تحقيق التميز في خدمة العملاء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.