كتب: امجد حميد – العراق
لطالما كانت الشعوب قصيرة نظر في تاريخها حين تقع في ازمات حقيقة في حاضرها, واقل استيعاباً لدروس هذا التاريخ حين يمر ذكره بشكل هامشي في افواههم. وكلما زاد الشعب جهلاً زاد قصر نظره التاريخي وقوة استيعابه, ونجدهم يرردون بعدها “التاريخ يعيد نفسه” بينما هم من يعيدونه بجهلهم ما وقع فيه اجدادهم وما هم يكررونه.
لكن وفي خضم هذا التكرار الممل, والمميت للانفس والمجتمعات, تبرز اهمية المؤرخ ومسؤوليته الكونية في نقل وارساء وتدعيم الحقائق والمواثيق التاريخية لتكون كتاباً للشعوب يظهر على يمينهم, ان احترموه, او شمالهم, ان نبذوه, وسراجاً يضيء عتمة المستقبل الذي يجهله الجيل الفتي في المجتمع.
وبما اننا على مشارف الذكرى ال67 لثورة 14 تموز 1958م العراقية, فلن يكون هناك افضل من استعراض ملخص لكتاب الباحث والمؤرخ الاستاذ عارف عبدالواحد المحمودي “اغتيال ثورة 14 تموز 1958م في العراق” لهذا الجيل لفهم هذه الواقعة التاريخية والاجابة على اسئلتهم التي يسألونها لانفسهم كل سنة وكل حدث دون ان يجدوا الاجابة الوافية لهم والتي تدفعهم لتغيير الواقع او تغيير طريقة رؤيتهم له على الاقل. لذا سيكون تلخيصنا لهذا الكتاب حسب الاسئلة العامة والمطروحة من قبل الجيل الحالي لنستعرض اجابات هذه الاسئلة في سطور فصول هذا الكتاب الثلاثة عشر. فندفع بذلك هذا الجيل لقراءته وترسيخ الامانة والحيادية التاريخية في قراءاته وتحليلاته وتفكيره كما فعل الاستاذ عارف في هذا الكتاب.
- هل كان يجب ان تحدث ثورة 14 تموز ام لا؟ وماذا لو لم تحدث؟
لقد ردد الاستاذ عارف في كتابه كثيراً فكرة طمس الحقائق التاريخية من قبل السلطات الحاكمة وكيف لمّعت فترة سلطانها واخفت عيوبها لكي تجعل المساند لها منبهراً والمعارض لها جاهلاً عن الحقيقة التاريخية وراء هذا السلطان:
“كتابة التاريخ العراقي والعربي والإقليمي منذ القدم والى الآن يكتب من قبل السلطة الحاكمة وحسب أهوائها وإرادتها في تزييف الحقائق وادعائها لنفسها أو هبتها إلى آخرين كانوا على هامش الحدث أو الأبعد عنه مجرد لتمجيد من لا يستحق المجد وتشويه والإساءة إلى صاحب من صنع الحدث كما حدث لثورة ١٤ تموز (يوليو) 1958م في العراق بعد اغتيالها وبروز آخرين من لا علم له بساعة وقوعها بل نقل المذياع الأخبار والأحداث إلى اسماعه وهو على بعد ٥٠٠ كم من حدود العاصمة بغداد.” (اغتيال ثورة 14 تموز 1958 في العراق، مؤسسة ثائر العصامي، بغداد 2017, ص 7)
وهذه اولى دلائل اهمية ومحورية نقل التاريخ بصورة حيادية وموثوقة لكي تفهم الاجيال حقيقة تاريخهم وكيف وصلوا الى ما وصلوا اليه اليوم. فاكثر الاسئلة التي يتداولها الجيل الشاب هذه الايام على مواقع التواصل الاجتماعي هي: هل ثورة 14 تموز ثورة بمعنى الكلمة ام انقلاب؟ وهل كان يجب ان تحدث اصلا؟ وهل الحال سيكون افضل لو لم تحدث؟
ويجيب الاستاذ عارف هذا الجيل من خلال اساس نشوء الدولة الملكية من الاساس وليس كما يبني الكثر تحليلاتهم في دائرة الحكم الملكي فقط. فيوضح العوامل والاحداث التي انجبت هذه الحكومة الملكية والتي جعلتها على راس العراق وكيف جائت, اي ما هو حال العراق في العهد العثماني:
“العراق باكمله لا توجد فيه مدارس سوى الكتاتيب التي يتبرع للعمل فيها لوجه الله ما يطلق عليه الملا وهم حفظة القرآن ولا تتعدى الى العلوم الاخرى ومنع اللغة العربية من التداول المجتمعي وتحويل المجتمع الى مجتمع لا حول ولا قوة له يفتك به الجهل والمرض والفقر وكاد الشعب العراقي ينقرض لو استمر الحكم العثماني قرنا اخر نتيجة الحروب التي تشنها السلطة العثمانية لجمع الضرائب التي يعجز عن دفعها الاهالي.” (نفس المصدر, ص 13)
وبهذه الطريقة يسقط استاذ عارف احد الاساطير المتداولة لدى جيلنا, وخصوصاً الشباب الاسلامي, التي تدعي قوة وازدهار الدول التي كانت تحت الحكم العثماني وتتمنى رجوعه. ومن المفارقات الحقيقية هي ان العراق لا يملك تلك الرموز والاثار التاريخية الحقيقية التي نستطيع ان نلتمسها اليوم لكي نؤمن ان هذا الحكم كان نعمة فعلا, بل على العكس من ذلك اذ كشف سقوط هذا الحكم على يد البريطانيين زيف هذا الحكم وتدميره للحضارة العراقية:
“وهاجمت القوات البريطانية البصرة في تشرين الثاني 1914م بقيادة الجنرال فراي وانهزم متصرف ولاية البصرة العثماني صبحي بك الى القرنة ليؤسربعد معركة مزيرعة على الضفة الشرقية لنهر دجلة التي فشل فيها العثمانيون امام جنود الستعمرات البريطاتية يوم الاثنين 28-12-1914 . . . حتى سقطت بغداد في 11-3-1917م محتلة من غازي جديد الجنرال مود الذي يمثل بريطانيا العظمى وزوال دولة ال عثمان بعد قرون عديدة دون ان تترك بصمة أو اثر حضاري سوى اثار القدم الهمجية التى عبثت بالإرث الحضاري والتاريخي لبلد الحضارات القديمة والمجد التليد وجعلت منه بلد الأمية والجهل والفقر والمرض والظلام الذي يغشى ربوعه طيلة التسلط العثماني الذي تجاوز اربعة قرون ونيف من الاعوام العجاف التي اذابت الشحم واكلن اللحم ودقتت العظم.” (نفس المصدر, ص14-15)
بهذا النص حللنا نصف عقدة هذا الجيل المتمسك بالرجوع الى العصر العثماني, وننتقل من خلاله الى النصف الثاني وهو العهد الملكي. فجمهور العهد الملكي ايضاً يتغنون بذكره ويلومون من انقلبوا عليه معتقدين ان بقاءه كان سيجعل العراق افضل صورة من التي نراها اليوم. وهنا تبرز اهمية النص التاريخي مرة اخرى ومصداقية نقله, فيثبت لنا استاذ عارف زيف هذه الاحلام وبطلان تحققها في ابسط الامثلة التي نرى شبيهتها اليوم في التشكيلة السياسية العراقية حين يرينا التشكيلة السياسية في العهد الملكي كابسط مثال على فسادها وعدم اهليتها وسيطرة المستعمر عليها:
“ومن طريف ما يذكر ان الحكومة العراقية تشكلت من 22 رئيس وزراء منهم 11 من اصل تركي سلجوقي و4 من اصل ايراني و1 من اصل لبناني زحجازي وكولمندي و4 من اصول عراقية و3 عرب واخر كردي (تاريخ الوزارات العراقية-عبدالرزاق الحسني 10 اجزاء) وبعض من ترأس الوزارة مستواه العلمي يقل عن شهادة الابتدائي او يقرأ ويكتب وثلاثة وزراء في حكومة عبدالرحمن النقيب.” (نفس المصدر, ص 31)
تسقط بهذه الطريقة اسطورة شباب هذا الجيل الذي يحلم باستعادة الحكم الملكي ويبرر خسارة هذا الحكم بالدول الخليجية, مفسراً نجاحها بحكمها الملكي. وهذا جهل محض اذ ان المملكة العراقية لم تكن سيئة في الحكم وخالية من المنهجية السياسية فقط بل كانت سفاحة مجرمة تقودها مجموعة من القتلة ومنهم نوري السعيد:
“وعند تشكيل نوري السعيد وزارته العاشرة في 6/1/1949 استحدثت مجلساً عرفياً ثانياً في 24 من نفس الشهر . . . لاستبدال حكم المجلس السابق المؤبد بحكم الاعدام بتاريخ 1949/2/10م (تاريخ الوزارات العراقية-عبدالرزاق حسني-ج8-ص86) بحق اربعة من قادة الحزب الشيوعي وتعليق الشهداء في الساحة العامة وقرر نوري السعيد ان يعدم مسلم ومسيحي ويهودي فساله مازحاُ وزير العدلية الحاج محمد حسن كبة هل المسلم المقرر اعدامه سنياً ام جعفرياً فقال الافضل اثنان سني وشيعي وهم مؤسس الحزب يوسف سلمان يوسف (فهد المسيحي) في ساحة المتحف بالكرخ يوم 14/2/1949م ويهودا ابراهيم صديق (يهودي) وزكي بسيم (سني) ومحمد حسين الشبيبي (شيعي). في ساحتين مختلفتين من رصافة بغداد 15/2/1949م وقد يكون هذا التصرف نوع من الارهاب والتخويف لمن تسول له نفسه بالتصدي للفساد الذي يعم المملكة العراقية الحديث.” (نفس المصدر, ص 28-29)
نستنتج من خلال كل ما اقتبس من هذا الكتاب اذاً ان العهد العثماني والملكي لم يكونا عهدين مخمليين عاش فيه العراقيون في رفاهية ورغد وسعادة وامان كما يعتقد جيلنا الحالي. فهذين العهدين قد ملأوا العراق بالفساد والاجرام والقتل بحق شبابه وقادته ومثقفيه تحت اسم الدين والطائفة والفكر ايضاُ. وتظهر بذلك اهمية ثورة 14 تموز مهما اختلفنا على قضيتها اواتفقنا, لان حدوثها كان محتوماََ نظراً لكل ما سبق, فسواء اختلف الزمان او المكان او الشخوص فان هذه الحرب وسقوط الحكم الملكي كان محتوماً والا لانتهى الشعب العراقي. وبذلك نستبصر جيلنا الحالي ونصحح سؤاله الذي يطرحه كل عام في هذه الذكرى: (هل بقاء الحكم الملكي كان افضل للعراق ام انتهاءه افضل؟) ليكون السؤال بهذه الصورة التي سنناقشه في النقطه التالية: (ماذا لو لم تغتال الثورة؟).
- ماذا لو لم تغتال الثورة؟
نستغل هذه الفرصة الذهبية التي يتيحها لنا الكتاب لتنوير جيلنا الشاب بترسيخ دعائم فهم ونقد النظم الحاكمة بشكل صحيح وعدم الانجرار في تحليلنا ودعمنا لاي نظام على الاساس العاطفي او الانتمائي او الشكلي حتى, وهو الذي بدوره جعل هذا الجيل مفكك ومنقسم يرمي باحلامه لارجاع التسلط العثماني او التجبر الملكي او حتى الاجرام البعثي الصدامي منبهرين بالكاريزماتية الديكتاتورية التي تلمعها مواقع التواصل الاجتماعي لهم.
وبذلك نؤسس لمفهوم فهم وتحليل النظم الحاكمة ونقول: ان النظام الحاكم الناجح يقاس على اساسين ثابتين في فترتهما المعلومة او المحددة: الاساس الاول هو العدل, والثاني هو الانجاز او العمل. اي ان النظم الحاكمة حين نريد ان نقيم اداءها ونجاحها, بل وحتى شرعيتها للبقاء, نقوم باحتساب المدة التي قضتها وهي في الحكم ومقدار الانجازات التي قدمتها ومستوى العدل الذي حكمت الشعب فيها.
ومن اللمحة الاولى, نرى تساقط الانظمة التي حكمت العراق كلها وبطلانها منذ العهد العثماني الى اليوم, باستثناء فترة الثورة وحكم عبدالكريم قاسم فقط, وفق هذا المقياس الذي وضعناه. فكل الامثلة السابقة والاقتباسات التي نقلناها من الكتاب كانت دلائل واضحة على طول فترة حكم هذه الانظمة وشحة ما قدمته, او انعدامه من الاساس, وغياب العدل في حكمها وسلطانها لهذا البلد. وهو ما يتيح لنا الفرصة الان لنعرف انجازات وعدل ثورة 14 تموز 1958م تحت رئاسة الزعيم عبدالكريم قاسم والتي دفعت الحاقدين الى اغتيالها في شباط الاسود 8/2/1963م اي اننا نتكلم عن حكم عمره 4 سنوات و6 اشهر و25 يوماً.
فأما الانجازات فقد فصل الاستاذ عارف انجازات الثورة في الفصل الثاني من الكتاب بشكل كامل, اذ نرى في عهد الزعيم عبدالكريم قاسم تشكل الكثير من الاحزاب المختلفة في توجهاتها ومنها الحزب الوطني الديمقراطي (ص39) وحزبين شيوعيين (ص 40-41) والحزب الاسلامي (ص43) وغيرها من الاحزاب. وزادت في عهده الحرية الاعلامية وتحرير العملة العراقية من الكتلة الاسترلينية في 23/6/1959م (ص45). والخروج من حلف بغداد 24/3/1959م واعتباره عيد الحرية وعطلة رسمية وتحرير العراق من القوات الاجنبية, اذ خرج على اثرها اخر جندي بريطاني من العراق بتاريخ حزيران 1959م (ص45).
واما على الصعيد الزراعي, فقد قدمت الثورة اهم المنجزات لهذا القطاع كون احد اسباب هذه الثورة هو الاقطاع المتفشي في العراق, ويشرح لنا الاستاذ عارف التغيير الحقيقي الذي احدثته الثورة في هذا المجال مفنداً الاعتقاد السائد بسرقة كل الاراضي التي كانت مملوكة للاقطاعيين كما يروج الكثير من هذا الجيل هذه الفكرة بدون دلائل تاريخية ملموسة:
“وخلال الاشهر الاولى من قيام الثورة سنت الحكومة العراقية القوانين والتشريعات التي تصب في خدمة المجتمع ومن هذه القوانين قانون الاصلاح الزراعي رقم 30 بتاريخ 30 ايلول 1958م الذي حددت الملكية الزراعية للفلاح ب30 دونم تسقى سيحاً او بالواسطة و60 دونم ديما وتقليص ملكية الاقطـاع الى 1000 دونم سيحا و2000 دونم ديما. توزع الاراضي التى استولى عليها الاقطاع على مستحقيها من الفلاحين والمزارعين ويمثل القطاع الزراعي في العراق 86% من الايدي العاملة وتمثل الاغلبية من السكان ومن خلال هذا القانون رفع الحيف عن كاهل الطبقات الفقيرة في استثمار مستحقاتها في التطوير من خلال المردود المالي الذي تجنيه من وفرة الحاصل وتسويقه الى الاسواق المحلية او الاجنبية.” (نفس المصدر, ص44)
ولا تقل الانجازات التجارية والصناعية كماً وكيفاً عن الانجازات الزراعية, فقد اشترى العراق اسلحة جديدة ومن مصادر متعددة عكس العصر الملكي, وشيد المدن الحديثة في فترته القياسية, وكان بناء مفاعل تموز النووي من نصيب وانجاز هذه الفترة والذي للاسف لا نجد العراقيين اليوم يباركون هذه الخطوة التي اقامها الزعيم ويباركون بصدام حسين الذي تسبب بخسارتنا لهذا المفاعل بطريقة غبية (ص46). ووزعت الاراضي في هذه الفترة وشيد 22 جسراً فيها وبنيت الموانئ الحديثة والمدارس والجامعات مثل جامعة الموصل والبصرة (ص46-47). وعلى الصعيد النفطي فان الزعيم عبدالكريم قاسم كان العرّاب, كما يصفه الاستاذ عارف, الذي اسس فكرة انشاء منظمة أوبك Opec الخاصة بالنفط كما نعرفها اليوم بتاريخ 12-9-1960 (ص144). كل هذ وغيره ما تم انجازه بفترة امتلك غير الزعيم اضعاف الفترة هذه ولم يستطع ان ينجز عُشر ما تم ذكره ولم نذكره.
اما على مستوى عدل الدولة والقانون, فان رافة وعفو الزعيم عبدالكريم قاسم على من تمردوا عليه كافِ ليثبت مستوى العدل الذي كان فيه العراق في ال50 شهراً لهذه الدولة الفتية. بل ان عفوه على من خطط لقتله هو ما قتله بشكل او باخر, اذ ان المتامرين الذي عفى عنهم في تمرد 8 اذار 1959م بعد ان حوكموا في محكمة عسكرية عادلة قد اعادوا الكرة ونجحوا في اغتيال هذه الثورة الفتية كما يبين الاستاذ عارف في كتابه:
“لم تمضي سنتان حتى عفا الزعيم عبدالكريم قاسم واطلق سراح المتآمرين بعد ان نفذ حكم الاعدام بعدد قليل من المتآمرين الذين كانوا سبباً رئيسياً في قتل المواطنين الابرياء واثارة المشاكل والقلاقل في صفوف العسكرين والمواطنين ق مدينة الموصل وكركوك واربيل. هؤلاء المفرج عنهم لم يرعووا بل ازدادوا تآمرا وخيانة لمن عفى عنهم ولمن قال الرأفة فوق القانون وعفا الله عما سلف تآمروا حتى النهاية التي اسقطت ثورة 14 تموز 1958م فيي مؤامرة دبرتها المخابرات البريطائية والامريكية والمصرية والاردنية والرجعية العربية وايتام العهد اللكي فكان الاغتيال الاسود لثورة تموز صبيحة 8 شباط 1963م.” (نفس المصدر, ص81)
من خلال هذه الصورة المنقولة, نصحح فهم جيلنا الحالي الغارق بالمقارنة الباطلة بين العراق ما قبل سقوط النظام الملكي وما بعده من جهة, وما بين عهد الزعيم عبدالكريم قاسم وبين كل العهود التي سبقته ولحقته من جهة اخرى. ليفهم ابناء جيلنا الحالي لما تم اغتيال هذه الثورة في عمرها الفتي, فهي ان استمرت على هذا المنهج الى اليوم لراينا العراق في بعد وشكل اخر ابعد حتى من تصوراتنا. ذلك ما يدفعنا للاسئلة التالية التي ستوضح من اغتال هذه الثورة وما هي اسبابه ودوافعه.
- ثورة 14 تموز وجمال عبدالناصر والعرب
لم تحقق اي دولة عربية, سواء في ذلك العهد او بعدها, حجم هذه المنجزات في تلك الفترة القياسية كما حققها العراق. خصوصاً وان الوطن العربي كان يعج بالافكار التقدمية والشخصيات الثورية التي تمتلك قاعدة جماهيرية جرارة وابرزها كان جمال عبدالناصر. وهذا ما دفع الكثير من الدول العربية على التامر, او مساعدة المتامرين, لكي يسقطوا ويغتالوا هذه الدولة الفتية المتصاعدة بشكل يفوق التصور.
وكان احد اكبر المتامرين والداعمين للمتامرين هو جمال عبدالناصر, هذه الشخصية التي خلقت لنفسها شعبية وصيتاً وهي فارغة من الداخل والتاريخ, الذي لم يصعد للسلطة الا على اكتاف من تامر عليهم من محمد نجيب مع الاخوان المسلمين, وحتى انقلب على الاخوان بتاريخ 26-10-1954م بعدها لينفرد بالسلطة (المصدر نفسه-ص86). ويوضح استاذ عارف اسباب حقد واندفاع جمال عبدالناصر لاسقاط هذه الدولة الفتية:
“وتنبه عبدالناصر للقادم الجديد ومن عقدة النقص والمنافسة عد عدة التامر والصراع نتيجة الاوهام والافكار السوداء والتغطية على ماضي ليس فيه موقف مضيء ومشرف يعتد به ولابد من اشغال الشعب المصري بوجود اعداء افتراضيين لمصر ومشروعها القومي في الوحدة العربية من المحيط حتى الخليج وانه ان الاوان لمقارعتهم والاطاحة بهم ومن هؤلاء الاعداء ثورة 14 تموز وقائدها عبدالكريم قاسم.” (المصدر نفسه, ص87)
هذه كانت اهم الدوافع التي جعلت عبدالناصر يستغل كل اعلامه لبث كراهيته للزعيم حتى بقي يخرج في الاعلام ويستهزء بالاخير. بل ان هذا الحقد هو ما جعله يوظف سوريا, في فترة الاندماج مع مصر وكان اسمها الجمهورية العربية المتحدة التي تشكلت بتاريخ 22 شباط 1958م, والاردن وكل الدول العربية التي كانت تكمن الكره والبغض لهذا الكيان الوطني. ومن ابرز ما فعله عبدالناصر هو دعمه للمتامرين والانقلابيين وترسيخ فكرة الوحده العربية الكاذبة في عقولهم كدافع وسبب حقيقي لاغتيال الثورة والزعيم:
“ان الناصرية الجديدة التي غرست بذرة الشك والريبة في اذهان البعض من عناصر الثوار والمتربصين بالنظام الملكي ان الثورة لابد لها من ان تعاد تارة اخرى وبعنوان ناصري وحدوي قومي عروبي وان مقاام الثوار هو مقام عراقي اولاً وعروبي ثانياً واسلامي ثالثاً واممي رابعاً اما الناصرية فهي الناصرية او القومية اولاً.” (المصدر نفسه, ص 72)
هذا هو الخطأ الكبير والجريمة البشعة التي جعلت المتامرين والحاقدين على هذا الحكم يسعون لاسقاط هذا الكيان بدل المشاركة في بناءه, فاعتقاد عبدالوهاب الشواف بالتهميش وغرور عبدالسلام عارف وغيرهم من الذين شاركوا في التامر تحت الدعم الناصري والعربي كان يمكن ان يحول الى انجازات وطاقات وطنية مفيدة تحافظ على البلد وتطوره. لكن حب الزعامة والسلطة والغرور والثراء هو ما جعلهم يحيدون عن هذا الواجب الوطني:
“الثورة بحاجة الى كل جهود ابنائها والدفاع عنها واجب وطني مقدس والتفكير بالمغانم هو التخلي عنها واضعافها وتحوويلها الى هدف يرمى من الاعداء وما اكثرهم والثورة في الشهور الاولى وقدمت منجزات كبيرة وكثيرة تعجز عنها اي حكومة ثورية جديدة وفي ايامها الاولى من ان تقدم ما قدمته ثورة 14 تموز 1958م المجيدة. استطاعت المخابرات المصرية ان تستميل عواطف ومشاعر واحاسيس الضباط الذين اعلنوا ولائهم حين اعلان الثورة وتوحي اليهم انهم مهمشون ومبعدون عن مصدر القرار لكي يخلوا لحكام بغداد الجدد العمل بعيداً عنه.” (المصدر نفسه , ص71-72)
وهذا درس مهم جداً لجيلنا الحالي, ليس فقط لفهم ما ستفعله الدول ان امتلكنا دولة وطنية حقيقية بل كيف يجب التكاتف معاَ ولا نتفكك ونعطي مجال للاخرين, سواء متامرين علينا من الداخل او الخارج, لكي يزعزعوا هذا الكيان الوطني الذي قد نصنع منه يوماً مثله ان شاء الله.
- ثورة 14 تموز والتيارات الاسلامية
كما تامر العرب والانقلابيون على الزعيم والثورة الفتية فخسروا مكانتهم واحلامهم سواء بحكم العراق او بتطويره او بضمه الى الكيانات الهلامية الموحدة, حاول الرجعيون ان يهدموا البنية الوطنية الجديدة التي اسست اسسها الثورة بحجج الدين والمذهب والاسلام فلم يحققوا ايا من مطامحهم.
وقد ذكرنا مدى الديمقراطية والحرية التي كانت لدى التيارات الدينية والاسلامية والتي سمحت لهم بان يمتلكوا حزباً وهو الحزب الاسلامي كما ذكرنا, لكن الحاقدين والطامعين لا يريدون ذلك بل الاستغلال والتجبر, فلم يحصل اي من التيارات الرجعية ما سعى اليه وما حاول بتعاونه وتامره مع باقي التيارات ان يحصل عليه ابداً كما يوضح ذلك الاستاذ عارف:
“وكان لدور الاقطاع والملاك واصحاب رؤوس الاموال دوراً مشيناً لاستغلال الدين وتجنيد انصاف الخطباء للتحريض وكيل التهم الباطلة للدولة ورموزها ووقعقت فيما لا يحمد عقباه حيث تولى البعث وتنكر لها كسند له في السابق ودفعت ثمناً باهضاً من دماء المسلمين مئات الالاف من شيعة العراق قتلوا في السجون ونفي الاكراد الفيلية الى ايران لانهم شيعة اكثر من نصف مليون كردي لاقامة التوازن الطائفي ولم تسلم على رقاب ابنائها وحتى في بلاد الغربة تابعتها ايدي المخابرات العراقية لترديها الردى كما فعلت مع مهدي محسن الحكيم الذي تمت تصفيته بالرصاص في الخرطوم عاصمة السودان في كانون الثاني عام 1988م عند حضوره دعوة رسمية من حكومة السودان.” (المصدر نفسه, ص98)
وهذا درس اخر لجيلنا الفتي المندفع تجاه العناوين والهتافات والشعارات الدينية, نابذاً وجاهلاً مفهوم الوطنية والكيان السياسي الذي يعم الدين وينصف اتباعه وتضمن حقوقهم المدنية والمشاركة السياسية كما كانت دولة الزعيم الفتية تفعل ذلك.
- عبدالكريم قاسم والقضية الكردية
لا تقل اهمية المسالة الكردية وملفها الشائك عن كل ما سبق ذكره في هذا المقال والتلخيص في هذا الكتاب. خصوصاً وان الاستاذ عارف خصص فصلاً كاملاً (الفصل الثامن-التمرد الكردي في شمال العراق) ليثبت اهميته ومحوريته بكل ما جرى في العراق وما يجري الى اليوم.
وقد ذكرنا مسبقاً كمية الانجازات والمشاريع التي قدمت لشمال العراق في فترة حكم الزعيم, من طرق معبدة وفرص عمل وبناء مستشفيات ومستوصفات وغيرها من المستلزمات الحياتية التي كان الشمال الكردي محروماً منها في الفترة الملكية منها (المصدر نفسه, ص124). بالرغم من ذلك, لم تسلم هذه الدولة الفتية من التامر الكردي الذي كان يقوده احد الخائنين والقاتلين وهو الملا مصطفى بارزاني, والذي قدم نفسه الجندي المطيع, كما يصفه استاذ عارف, بعد لقائه الاول بالزعيم عبدالكريم قاسم (المصدر نفسه, ص124).
ولم يكن هذا التامر محصوراً في الداخل العراقي بل امتد ليصل الى الدول المجاورة التي دعمت التمرد الكردي في جوانبه السياسية والعسكرية, وكانت هذه الدول هي مجموعة حلف السنتو وهي تركيا وايران والكويت المتامرة (المصدر نفسه, ص124).
لم يقتصر دعم التامر الكردي على حلف السنتو فقط بل وضع الكيان الصهيوني بصمته لدعمه وتسقيطه لهذا الكيان الوطني الفتي في حركة التمرد في ايلول 1961م بعد مناقشات ولقاءات سرية وعلنية كما بينتها الكثير من الوثائق والمطبوعات (المصدر نفسه, ص125). ويشرح لنا الاستاذ عارف كيف تاثر العراق في عهد الزعيم بهذا التمرد وكيف تعامل معه بكل انسانية ورافة ووطنية بالرغم من اجرامه وتمرده:
“ان هذه الحركة شغلت الحكومة العراقية عن كثير من المشاريع لعدم استقرار الامن وتوقفت عجلة البناء والعمران في المنطقة الشمالية واصبحت عبئاً كبيراً مسيرة على الثورة ومنجزاتها الكبيرة وهدر الاموال في العمليات العسكرية وتجنيد اكبر عدد من الرجال لتأمين الحياة الامنة المستقرة في ربوع الوطن وبعد فشل عصابات التمرد والعصيان اواخر العام 1962م اصدر الزعيم عبدالكريم قاسم عفواً عن الذين لم تتلطخ ايديهم بدماء العراقيين من افراد حركة التمرد واعلن الشيخ انهاء تمرده وطلب من القريببين منه ومن الحركة الكردية القاء السلاح والانصياع لصوت العقل والعدل وكان اخر موعد لفترة العفو هو شهر اذار 1963م لكن انقلاب 8 شباط الاسود وأد فكرة السلام حتى اشعار اخر.” (المصدر نفسه, ص125-126)
وهذا درس جديد يرسخه استاذ عارف لنا لهذا الجيل ولكل من يقرأ تاريخنا, وهو ان الذي يتمرد على الفكرة الوطنية ويتامر داخل وخارج وطنه ضدها لن يسلم في المستقبل على نفسه ان سقط الكيان الوطني, فقد دفعت الجماعات الكردية الثمن بعد ان استلم البعث الحكم باستمرار الاضطهاد والقتل وتخلى الخارج عنها واولهم ايران الشاه. وما زالت القضية الكردية مهمة لنا ويجب ان تكون من ضمن حسابات هذا الجيل لكي يصحح اخطاء الماضي ويصنع حكومة وطنية جديدة حاضنة لكل اطياف وقوميات هذا البلد العظيم.
- عبدالكريم قاسم وقضية الكويت
ما زالت قضية الكويت قضية جدلية في عصرنا الحالي, ولا يمتلك الجيل العراقي الفتي اي بنية معرفية عنها. فترى بعضهم يرى استرجاعها وبعضهم يرى استقلالها بدون دلائل واضحة.
وبمجرد جعل هذا الجيل الفتي يطلع على الحقيقة التاريخية فسينتهي جهله الاعمى تجاه هذه القضية المهمة والمحورية التي نعاني منها الى اليوم متمثلة ايضاً بخور عبدالله. وتبدأ هذه المعرفة من معرفة اسم الكويت الاصلي وهو (كاظمة) وكلمة كويت هي مصغرة لكلمة (كوت) لصغر حجمها وقلة ساكنيها. ولم تكن في عهد الاتراك الا قضاء يديره قائمقام اسمه الشيخ عبدالله بن صباح ال صباح سنة 1866 واستمرت تابعة للعراق اذ كانت كل الرسائل والبرقيات والبريد بين الكويت عن طريق العراق الى العالم الى ان تامر مبارك الصباح مع البريطانيين لقتل شقيقيه محمد وجراح وصنع ما نسميه اليوم بدولة الكويت في ايار 1896م. (المصدر نفسه, ص131)
والجدير بالذكر ان حكومة الزعيم عبدالكريم قاسم لم تسعى لاسترداد الارض العراقية المغتصبة بالقوة, كما يبين ذلك الاستاذ عارف, بل وظفت كل الطرق السلمية والدبلوماسية التي كانت تهدف لاستعادة الارض المغتصبة التي نادت بها حتى الشعب الكويتي حين راى التدخل البريطاني المرعب في ارضهم (المصدر نفسه, ص132) الا ان الانبطاح للحكومة البريطانية من قبل ال الصباح والتواطئ العربي في هذه القضية جعلت الحكومة العراقية تحارب وحدها لاسترداد ارضها المغتصبة تحت اسم الدولة المستقلة. فدفعت بريطانيا لنقل حاملة الطائرات البريطانية (يولووك) مع 643 عسكري الى الكويت فقط للدفاع عن مصالحها الاقتصادية في الكويت وامتدادها الاقليمي المتبقي في منطقة الخليج العربي (المصدر نفسه, ص133).
وهنا تكمن المفارقة التاريخية لدى المستعمر والدول العربية المتواطئة والعميلة وصاحبة الشعارات انذاك, اذ ان جمال عبدالناصر الذي كان ينادي بالوحده العربية نراه رافضاً لاسترداد ارض عراقية بنفس الصف الذي تقف فيه بريطانيا والدول العربية! (المصدر نفسه, ص134) بالرغم من ان حكومة الزعيم استخدمت كل الوسائل السلمية والدبلوماسية لاسترداد هذا الحق وليس كما فعل من تبعها حتى احتلال الكويت على يد صدام حسين بموافقة امريكية بعد عهد البكر الذي اعترف بالكويت كدولة مستقلة مقابل 30 مليون دينار للدولة العراقية بحجج واهية وغير مبررة للتخلي وبيع ارض من اراضي العراق(المصدر نفسه, ص137).
هذا دليل اخر على تعاون وتواطئ جميع الدول العربية والاجنبية لاسقاط حكومة الثورة وهي في بداية انطلاقها ودفع الاموال الطائلة للمتامرين والمنشقين وتقديم الدعم العسكري لاثارة القلاقل والمشاكل والقتل والطائفية داخل الوطن في شماله ووسطه وجنوبه حتى خسرنا جزءً من اراضينا تسمى اليوم الكويت (المصدر نفسه, ص135). وهنا تبرز اهمية هذه الحقيقة التاريخية ودلائلها اذ من واجب الجيل الحالي ان يسعى لاسترداد ارضه المغتصبة بطريقة سلمية وحقيقية كما سعت الدولة العراقية الحقيقية لذلك وليس بطريقة همجية رعناء كما فعلت النظم الانقلابية والديكتاتورية بعدها:
“لكن الامور لن تبقى على حالها مهما طال عليها الزمن ولا يمكن التفريط بالارض العراقية وهذا واجب الاجيال القادمة لان بقاء الحكام المتامرين في الكويت والذين هم صنيعة استعمارية تحرك لضرب العراق وخنقه من البحر وطعنه في الخاصرة كلما سنحت له الفرصة عند ضعف العراق واملاء ارادة الاستعمار عليه وابتزاز قراره واغتصاب اراضيه وسرقة نفطه في مناطق وحقول مشتركة حسب ادعائها. كما فعلت اثناء الحرب العراقية الايرانية وطيلة ثمانية اعوام من العام 1980-1988 وهي تسرق نفط الرميلة الجنوبية وقدرة وقتها باكثر من ملياري ونصف المليار دولار وهو مبلغ كبير جداً وقتها يمكن ان تبنى عشرة مدن عراقية وبناء مئات المصانع والمعامل لامتصاص الايدي العاطلة عن العمل والعائدة من جبهات القتال.” (المصدر نفسه, ص138-139)
وهنا يتبين ان النفط هو المفتاح الاخير الذي نختم فيه مقالنا التلخيصي لهذا الكتاب كاحد المحاور التي دفعت المستعمر والدول للتامر ضد الدولة العراقية كما سنبين الان.
- عبدالكريم قاسم ونفط العراق
ان الملف النفطي العراقي هو من اكثر الملفات التي عملت عليها حكومة الزعيم عبدالكريم قاسم واشدها صعوبة في التعامل انذاك, لان القوة الاستعمارية كانت داخلة في عمق الاراضي العراقية النفطية من خلال الشركات النفطية الاجنبية حتى خلقت شركة نفطية عراقية لتغطي بها ماربها وهي شركة نفط العراق IPC (Iraq Petroleum Company) وشركة نفط البصرة (BPC) ولم تكن هذه الشركات سوى وسائل سياسية لامتصاص ثروات العراق ونهبه من قبل المستعمر البريطاني وشركاءه الاوربيين (المصدر نفسه, ص142).
ذلك ما دفع الحكومة الجمهورية الفتية للسعي وراء استقلال العراق والحفاظ على ثرواته واسترجاع ما نهب منه, ورغم كل الجهود لم تستطع الا استعادة القليل من ثروات البلد المنهوبة. الا انها لم تتوقف عن السعي وانشأت منظمة اوبك Opec للحفاظ على استقلالية الثروات والبلاد واقامة المشاريع النفطية كالمصافي ووحدات التكرير وتحسين البنزين وانشاء مصفى غرب البصرة في الشعيبة مع شرركة تشيكوسلوفاكية سنة 1961م (المصدر نفسه, ص144).
كل ذلك ولم تنفك حكومة الزعيم من التفاوض مع كبار الشركات التي سيطرت على جزء واسع من الاراضي العراقية واجبارها على التنازل عنها مثل شركة المستر فيشر (المصدر نفسه, ص 145). كل هذه المساعي الجادة والجهود الحثيثة جعلت الغرب والشركات الربحية والمستعمر والعرب الحاقدين على الدولة العراقية تدق ناقوس الخطر وتدفع نفسها للتامر على الكيان الوطني العراقي بقيادة الزعيم عبدالكريم قاسم. فلو نجحت وبقيت هذه الثورة ولم يتم اغتيالها لاختلفت الخارطة العراقية والاقليمية ولا نبالغ ان قلنا العالمية ايضاًً التي ترسم حدود توزيع وسياسة التعامل بالمنتوجات النفطية. وهذا ما يوضحه تعليق استاذ عارف بخصوص انشاء شركة النفط الوطنية اذ يقول:
“وكان قانون شركة النفط الوطنية قد اعد الا ان الحكومة العراقية اسقطت في 8-2-1963 وبذلك تنفست الشركات النفطية الصعداء وازاحت عن نفسها كابوساً جاثماً على صدرها اسمه العراق الجمهوري عراق 14 تموز بقيادة الزعيم عبدالكريم قاسم الذي قدم نفسه فداء للشعب العراقي بعد ان توعدت الشركات النفطية الحكومية العراقية باسقاطها عن طريق عملائها من بعثيين وقوميين ودول رجعية عربية واقليمية.” (المصدر نفسه, ص146-147)
هكذا نكون قد اجبنا عن كل اسئلة هذا الجيل المتحير عن شكل الدولة وماهيتها وكيف يجب ان تكون وما هو تاريخ العراق الحقيقي ومن كان الصحيح ومن كان الخاطئ من خلال هذا الكتاب, لنضمن ادراك ووعي مجتمعنا العراقي لصنع مستقبل افضل في ضل ذكرى هذه الثورة المجيدة ال67 التي غيرت شكل العراق للافضل وقد كان من الممكن ان يكون افضل لو لم يتم اغتيالها على يد المجرمين والمتامرين والعرب والمستعمرين.
الخاتمة
هذه هي الدولة العراقية ومجدها, وهذا الحاضر هو نتاج اغتيالها والتامر عليها. فكانت نتيجة المتامرين عليها اما الخيانة او القتل او الغدر او التسمم او الاعدام وغيرها كما شرح الاستاذ عارف بالتفصيل مصيرهم في فصل كامل (الفصل الثاني عشر-البعث ياكل ابنائه).
وهذا ما يوضح اننا نعيش نتائج خيانة اوطاننا وكل من يمدح وينادي بعهد الخائنين فهو مساهم في خراب هذا البلد. فنحن الى اليوم نرى من ابناء جيلنا من ولد في تسعينيات القرن الماضي, اي زمن الحصار, ونراه اليوم يمجدً ويحمد عصر بعث صدام وهو لم يرى من بطشه شيئاً, بل انه ولد في فترة الحصار التي جعلت اخوته ياكلون طحين نواة التمر بسبب الجوع وعدم وجود الطعام.
هذا الكتاب هو درس لجيلنا بدراسة اي شخصية تاريخية نريد تمجيدها واي عصر تاريخي نشتاق اليه او نتمناه موجوداً اليوم, فما اكثر ابناء جيلنا من يحمد في ذكرى 14 تموز العهد الملكي ويعتبر هذه الواقعة خيانة وسبب لدمار العراق اليوم, بينما لو كان هذا العهد موجوداًً لليوم لكان هناك اقطاعي يحكمه وعائلته ويحرمه حتى من الهناء في طعامه وتطوير نفسه. واخر ما نقتبسه من الاستاذ عارف هو ما نريده ان يكون مقياساً لنا لاي سلطة او حاكم نريد ان يحكمنا او سيحكمنا يوماً لكي نعرف هل نقف معه وندعمه او ضده ونسقطه:
“الزعيم اسس لمجتمع مدني اساسه العدل والانصاف واحترام القانون ومع ذلك كان يتعامل وفق الرافة فوق القانون حتى الذين اعتدوا عليه عفا عنهم في حين صدام انه يقرا تامر رفاقه في عيونهم والاخذ بالظنة واعدم في ساعة واحدة 22 رفيق وقيادي كبير في حزبه. عبدالكريم قاسم لم يقرب اصحاب المكيدة, لكن الذي جاء بعده اقام عشرات الاجهزة القمعية لتصفية الخصوم ولم يذكر ان قاسم فكر في ايذاء الاخرين وحتى من اعدموه وصفوا نظامه بالارحم في حين البعث اسس لدولة اذابة البشر بالتيزاب وقطع الرؤوس بالسيوف وجدع الانوف وقلع الاذان بالكلابتين كما فعلها طه نوري الشكرجي مع الشهيد العقيد حسين خضر الدوري.” (المصدر نفسه, ص205)
لذا فاحيوا هذه الثورة من جديد وانجازاتها لعلنا نصل الى اليوم الذي نخلق نفسها ونتكاتف لبناءها ونحارب من يسعى لاغتيالها والاطاحة بها معاً.