الأضواء / البصرة / هيثم محسن الجاسم
خلال أسبوع واحد، عاشت مدينة البصرة عرسين شعريين كبيرين، أكّدا من جديد مكانتها بوصفها حاضنةً للإبداع ومدينةً لا تنضب من الجمال الثقافي.
المهرجان الأول كان مهرجان السيّاب في دورته المقامة بمناسبة الذكرى الـ(99) لميلاد شاعر العرب المجدّد بدر شاكر السيّاب، والذي افتُتح في جامعة المعقل واختُتم بعد يومين من الفعاليات الشعرية والنقدية. ويُعدّ هذا المهرجان تقليدًا سنويًا كرنفاليًا تنظّمه دار الأدب البصري بإشراف الأستاذ زكي الديراوي، للاحتفاء بأحد أهم رموز الحداثة الشعرية العربية. وقد شهد المهرجان مشاركات شعرية من مختلف محافظات العراق، ما أضفى عليه طابعًا وطنيًا جامعًا.
أما المهرجان الثاني، فهو مهرجان رابطة مصطفى جمال الدين الأدبية، الذي أُقيم برعاية الاتحاد العام للأدباء والكتّاب في العراق، والمخصّص للشعراء الشباب، بوصفه منصة لاكتشاف الأصوات الجديدة ودعم التجارب الصاعدة. وقد احتضن معهد التدريب النفطي فعاليات المهرجان على مدى يومين، توالى خلالهما حضور شعراء شباب من عموم المحافظات، في مشهد يؤكد حيوية المشهد الشعري العراقي وتجدد دمائه.
هكذا، يجد المتابع نفسه متنقلًا من عرسٍ ثقافي إلى آخر، تتعاظم في داخله مشاعر الفخر والجمال، وتزداد قناعته بخصوصية البصرة وأهلها، حيث تدهشك طيبة البصريين وكرم ضيافتهم، وتعاملهم الفطري الصادق مع ضيوف مدينتهم.
وقد يتساءل البعض: لماذا لا تكون البصرة قبلةً للسياحة الثقافية كما كانت يومًا “ثغر العراق الباسم”؟
والإجابة، برأيي، أن البصرة بدأت بالفعل تستعيد حضورها، رغم الأثقال الثقيلة التي خلّفتها الفوضى السياسية المهيمنة على المشهد السياسي والاجتماعي والاقتصادي. تلك الفوضى نتجت عن تحرّك قوى تقليدية نائمة، سعت إلى استغلال الفراغ الديمقراطي، واختراقه عشائريًا وحزبيًا، فضلًا عن تدخلات دول الجوار، ما أفرز صراعات ذات خلفيات عشائرية وحزبية، وأحيانًا مافيوية، وأدّى إلى ظهور طبقات اجتماعية تستثمر النفوذ والعلاقات والضغوط الشخصية داخل بنية القوى الناشطة في البصرة.
ومع ذلك، تبقى الثقافة أحد أنقى أشكال المقاومة المدنية، وتظل المهرجانات الأدبية مؤشرًا واضحًا على أن البصرة، مهما أُثقلت بالجراح، قادرة على أن تعود مدينةً للفرح، والجمال، والسياحة الثقافية.
جريدة الاضواء الالكترونية
