الرئيسية / آراء حرة / البصرة القديمة .. عربات الربل وبيوت الشناشيل…!!؟

البصرة القديمة .. عربات الربل وبيوت الشناشيل…!!؟

كتب : حسن كاظم الخليفة ـ العراق 

بيوت الشناشيل :

لرائحة الخشب عشاقها، بل مدمنوها…، من هذا الخشب تصنع مقصورات (الشناشيل) بصورة فنية بديعة يتداخل معها الزجاج الملون الأخاذ…، البصرة مدينة نهرية، من ألقابها (جنة عدن) هكذا وصفها المستشرقون الذين زاروها وكتبوا عنها ورسموا لها ألواحا فنية جميلة قبل أكثر من قرن من الزمان…!؟

البصرة ـ فينيسا الشرق :

شبهت البصرة بمدينة البندقية وسميت بـ(فينيسا الشرق)؛ لوجود ما يقرب من ألف نهر يجري بين بساتينها وبيوتاتها وأزقتها المتشعبة والتي عادة ما يستعان بالقوارب الخشبية الصغيرة (الأبلام جمع بَلَم) للتنقل فيها؛ ولذلك فإن نسبة الرطوبة عالية جدا في البصرة، ولا سيما البصرة القديمة التي تشتبك أنهارها بدورها السكنية وبساتينها وأزقتها المتشعبة، الأمر الذي يجعلنا ندرك قيمة الشناشيل، فالخشب يتفاعل مع رطوبة الجو ليلا، ويتشبع بها، وحين تشرق الشمس تبدأ الرطوبة المشبعة بخشب بيوت الشناشيل تتبخر تدريجيا بارتفاع درجات الحرارة التي تبلغ ذروتها بتعامد أشعة الشمس في (صكة الظهر) كما يعبر البصريون، وهو ما يجعل دور وبوتات (الشناشيل) تتمتع بالبرودة في داخلها؛ لأن القاعدة الفيزيائية تقول : (كل تبخر تصحبه برودة) وهو مما يغني عن أجهزة التكييف الحديثة…!؟

عربات الخيول (الربل) :

قبل صناعة السيارة ودخولها المبكر إلى مدينة البصرة بالقياس إلى البلدان العربية والمجاورة ـ كانت (الدواب) من (حمير وبغال وخيول) وسيلة النقل البرية ـ ولكنها بقيت حتى عهد قريب؛ ولا سيما ما يسمى منها بـ(عربات الربل) وهي (الحنطور) عند المصريين، وكلمة الربل نسبة إلى المادة المصنوع منها عجلات تلك العربات التي تجرها الخيول، مقابل (عربات الحمل) وهي التي تستعمل فيها إطارات السيارات التي تنفخ بالهواء وذلك لكي تتحمل البضائع الثقيلة التي تنقل عليها، ولكي يجرها الحصان بسهولة، وهذه الأخيرة لا يوجد في صناعتها تفنن، على العكس من عربات الربل التي تبدو في اللوحة مع دور الشناشيل ـ فإنها تحفة فنية؛ كونها لنقل البشر لا البضائع، وهي التي ما زالت تشكل رمزية في (الموكب الملكي) الذي يسير في شوارع لندن بملكة بريطانيا…!؟

بالبصرة القديمة، كان ـ حتى بعد انتشار السيارات ـ محطة خاصة بعربات الربل، وموقعها مقابل بلدية البصرة التي ما يزال بناؤها قائما وأضحت دائرة مياه البصرة، والمحطة الثانية حيث مستشفى البصرة العام الذي صار يسمى بعد ثورة 14 تموز 1958م بالمستشفى الجمهوري…!؟

تذوق جمالي يحرض المخيلة على الإبداع :

أكثر الناس كانوا يميلون ـ في تنقلاتهم القريبة بين أزقة البصرة القديمة ومحلاتها العريقة ـ إلى ركوب عربات الربل التي يجرها الحصان؛ وذلك :

1ـ لجماليتها؛ فهي تحفة فنية رائعة تتواشج مع بيوتات الشاناشيل.

2ـ لتوفرها، فكانت أكثر انتشارا من السيارات، وحتى بعد انتشار السيارات بقيت الأكثر ألفة عند الكثير من الناس الكبار.

3ـ لحب الأطفال لها، فإن هناك من يركبها نزولا عند رغبة أطفالهم، الذين يقلدون مشية الحصان بأصواتهم المنتشية : (جربق جربق جربق)…!؟

4 ـ إن ركوب الربل يحرض الكبار على التأمل والإبداع؛ فإن هذه الـ(جربق) الطفولية هي بحر (الخبب) الذي أبدعه الخليل بن أحمد الفراهيدي، مستوحيا إيقاعه من تلك المشية (الخببية) التي يطرب لها الأطفال (جربق جربق / فعلن فعلن) خلافا لتسمية (المتدارك) المشكوك بها كما يعرف ذلك علماء العروض، والـ(العروض) هو علم أوزان الشعر العربي الذي أبدعه الخليل بن أحمد الفراهيدي بالبصرة…!؟

ولا ننسى أن نذكر أن من أعرق محلات البصرة القديمة هي محلة (الخليلية) نسبة إلى مبدع علم العروض ـ الخليل بن أحمد الفراهيدي، محلة الخليلية التي تحتضن الأثر التراثي الأعرق وهو حسينية الفقيه السيد عبدالله الخليفة التي يرجع تاريخ نشاطها الفكري الديني الثقافي إلى أيام جده المرجع التراثي الكبير السيد خليفة بن علي الموسوي قبل قرابة قرنين من الزمان، والتي يشاع أن لترابها صلة ما بالخليل بن أحمد الفراهيدي…!؟

إن الحديث عن تلك الصلة يتشعب ويطول، ويطرب له المختصون طرب الأطفال لإيقاع مشية الخيل وهي تجر عربات الربل متجولة بين بيوت الشناشيل والأنهر الصغيرة في أزقة البصرة القديمة…!!؟

شاهد أيضاً

العيد وفرحة الأطفال

قلمي. منى فتحي حامد – مصر عيد الفطر فرحة الكبار والصغار، يأتى بعد صيام شهر …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.