الرئيسية / أخبار محلية / حكاية لم ينساها التأريخ

حكاية لم ينساها التأريخ

الأضواء / زينب المنصوري

(فاجعة غرق بنات الشطرة حدثت بتاريخ 28-12-1962 ) احداث السفرة المشؤمة قبل وبعد الحادث يرويها الباحث غسان الشطري والموقف المشرف الذي وقفه ابناء المدينه من الحادث
• في الأيام الاخيره من عام 1962.
رغم أيام كانون الأول الشتائيه الباردة
حيث تمت الموافقة من قبل مديرية معارف لواء المنتفك بكتابها المرقم 321 بتاريخ 15 كانون الأول على قيام إدارة مدرسه العفة الابتدائية للبنات بتنظيم سفره مدرسيه لطالباتها إلى بساتين النخيل في ناحية كرمة بني سعيد التابعة إلى سوق الشيوخ
وقد تم الاتفاق مع السائق (خضير ناهض) من مواليد ألشطره عام 1927 أحد قدماء السواق والمدونة إجازة السوق لديه برقم 36 والتي منحت له عام 1957
والسيارة باص فآلفو خشبي من أملاك السيد (هادي ضايف) السويدية الصنع عام 59 وصنع بديها في النجف الاشرف وحمولتهاالرسميه 39 شخصا فقط تزودت بالوقود من محلات (أمير مجيد نورعلي) وباتت ليلتىهاالاخيره في عجد الكص قرب بيت ال ضايف
وفي فجر اليوم المشئوم أول من شغلها هو مساعد السائق (السكن)كاظم خليل
وكانت هناك سطورا من الخط الكوفي أمام السائق كتب عليها(لاتخف دركا ولا تخشى) وسطورا أخرى ( ألسياقه فن وذوق وأخلاق ) بخط الفنان صباح السهل
أول من حضر قرب بوابة المدرسة ألفراشه السيدة (ترفه) والفراش الملقب عمو (علي فوحه)ومعهم المرحومه السيده زكيه ربة بيت من اقرباء المديره وتجمعت الطالبات ولكونها قريبه من بيت المديره المجاور لها
و في الساعه السابعه وعشرة دقائق عبرالطريق الترابي الضيق المؤدي الى الناصريه المحاذي لنهر الشطره مرورا بناحيه الغراف وصلت الناصريه مرورا بالمستشفى الجمهوري لكون احدى المعلمات نزلت من الباص واسمها بلقيس جليل الهويدي بعد ان شعرت بتوعك حالتها الصحيه وذهبت الى بيت عمتها السيده نعيمه زوجة السيد مكي التتنجي في الناصريه ..
واستمرت رحلة الموت والطالبات يزغردن (هذا سايقنه الورد هسه يوصلنه ويرد)(خايب هو خلاني وراح وراح والگلب مومرتاح خايب هو وامنين اجيب هواي خايب هو –)(للكرمه الحكلك لا تكول انه انساك).وعبرت جسر 14 تموز في الناصريه الحديث الذي بنته شركه انكليزيه عام 59
ووصلت الى قضاء سوق الشيوخ في الساعه التاسعه والنصف وعشرون دقيقه
توقفت السياره قرب مدرسة السوق الابتدائيه الواقعه بين منطقة الحويزه ومنطقة البطاط ثم واصلت طريقها الى الجسر الخشبي القديم والمسمى جسر البطاط والذي كتبت على بدايته لوحه (انتظر اشارة العبور الجسر يتحمل طن واحد فقط)
أي كان يجب نزول الحموله وكان يجب ان ينتظر كل سائق دوره في العبور لكي يعطى اشاره من قبل جسار الموجود في الضفه الاخرى من الجسر والذي فعلا اعطى اشاره للسائق بالرجوع الى الخلف والتوقف دون جدوى
وكانت هناك سياره تتقدم الى الضفه الاخرى من نهر الفرات عبر الجسر
وحينما وصلت إلى منتصفه .وقبل صعودها من المنخفض استمرت سيارة مدرسة العفه بالدخول الى وسط الجسر وتقدمت السياره الاخرى نحو المقدمه بصعوبه لكونه لا يتحمل سيارتين.لقد اصرت المديره على عدم نزول الطالبات خوفا عليهم من مياه الفرات ولكن سوء الحظ والطالع انخفضت المياه قبل ليلتين فقط علما ان فراش المدرسه المسمى ( عمو علي فوحه) وحرصا منه على المحافظه على البنات قد ربط الابواب الخشبيه بالحبال و كانت المعلمات رئيسه حميد بنه والمعلمه سعاد عبد الرزاق الصيدلي والمعلمه خيريه نعمووالمعلمه ضويه العتابي يجلسون خلف السائق
وصلت الى وسط الجسر وبدأ السائق يسمع اصوات تقطع الحبال ودخول المياه الى مقدمة السياره حاول اعادتها الى الخلف والى الامام دون جدوى
وقال لي باكيا ودموعه طرزت شيبته في لقائي معه عام 2005 وقد جلست معه وكان دلا لا للسيارات في كراج الناصريه
ان السياره فقدت قوتها ونزلت كجبلا في مياه الفرات وبدأ يبتلعها من الامام وترتفع مؤخرتها ولم اسمع سوى صرخات وبكاء الطفوله وخرجت كالمجنون من بوابتي ولا زلت حتى هذه اللحظه مذهولا
كيف حصلت المأساة والفاجعه لبريئات الشطره
ومن الامور التي اذهلت الناس الذين احاطو بنهر الفرات هو كيف سبحت الفراشه ترفه ومعها الطالبه سيسيل عبد الحسن عيسى والطالبه سهام حسن والطالبه ساجده كاظم عداي والطالبه حليمه اربيح والمعلمه سعاد عبد الرزاق الصيدلي والتي اعادتها القدر الى مياه الفرات لكي تبحث عن اخيها علي بجنون داخل الباص الغاطس من المقدمه والوسط وغرقت معه.
هرع شباب سوق الشيوخ الابطال وكما ذكرت لي السيده الفاضله ساجده كاظم عداي من مواليد 52 والتي كانت احدى طالبات الصف الثالث وهي احدى الناجيات من الحادث حيث قالت انها كانت في الخانه الاخيره من الباص وكان يجلس معها 3 اولاد صغار و5 بنات ومساعد السائق وبعد ان تمايل الباص مع تمايل الجسر نحو اليمين واليسار ورأيت تفكك الجسر وزحفت الدوب باتجاهين وسقوط مقدمة السياره من المقدمه حيث سقط الذين معي الى وسط السياره التي بدا الماء يتسرب لها كان باردا واحس حتى الان بمدى برودته وبقى الطفل عامر وطالبه واحده فقط وكان بيدي قندولا من الشكر اعطته لي المديره ليلى وقالت سلميه لي عند الوصول رفعت رأسي الى سقف الباص وكانت فيه فتحات لكي اشم الهواء وقد وصلت المياه الى اكتافي ولم اشعر بعدها سوى احد الشباب الابطال وهو يسحبني وفتحت عيناي على جرف الفرات من البرد القارس ورأيت بعيني جثامين زميلاتي مغطات ولم انسى ان احدأ يلف جسدي المبلل بسترته وكان فيها اقلاما ومحفظه وعيناي نحو الباص الذي استقر في المياه ولم يظهر من سوى القليل وكنت ارى ابطال سوق الشيوخ يفتحو الحبال التي ربطها السائق لسد الابواب حفاظا على الطالبات في الطريق ويملئون النهر نحو المياه البارده لعلهم يجدون نفسا في صدور البرائه التي بدت وجوههن زرقاء لاحياة فيها فيما تحدث الناس وهم يشاهدون سلال الامتعه تطفو مع الخضار والبيض والفواكه على أمواج الفرات المتلاطمه والهادر من الغضب
كانو يتحدثون عن مواقف وشجاعة الرجال السائق المفجوع وبذهول قال لقد رأيت مواطنا اسمه خلدون ابن الطبيب داود اكرم قد انقذ و سحب العديد من الجثث
وضجت المدينه برمتها وماهي سوى ( 27 )دقيقه فقط وانتهى كل شيئ
كان يوم الجمعه المصادف 28-12- 1962 سجل فيه ابطال واهالي سوق الشيوخ سطورا ناصعه لمواقف الانسانيه والاستبسال رغم برودة المياه واجواء الشتاء واستمرت النداءات في الجوامع والاسواق واستنفرت القائمقاميه والبلديه والمجلس البلدي
ونودي على النجارين حيث لم تكفي توابيت المدينه المتوفره كذلك فتح القماشون دكاكينهم لتوفير الاكفان واصحاب السيارات الكبيره والصغيره لنقل جثامين شهيدات الفرات الى الطبابه العدليه في المستشفى الجمهوري في الناصريه والذي هو كان اسمه الملكي ويقع في شارع الحبوبي الان
وقد سجل دورا وموقفا رائعا للمضمد في العمليات الكبرى سليم انعيمه الشطري والمضمد محسن عبد علي الشرطي في الاستقبال
اول من اخبرو اتصل بالشطره عن طريق الهاتف صاحب مكتبه في سوق الشيوخ مع عبد الحميد ناصر ابو الجرايد واتصل كذلك السيدعبد الواحد عبد الرزاق من تجار سوق الشيوخ ببيت محمد علي الحاج نجم شقيق الحاج مزهر الحاج نجم في الساعه العاشره والنصف وضجت الشطرة وهرعت الناس الى الناصريه
ثم اتجهت الجنائز ال الى وادي السلام في النجف الاشرف يرافقها قائمقام الشطره عبد الرزاق الحبيب
واستقبلت المدينه المفجوعه وفودا من الحكومه وكنائس بغداد وزعيم طائفه الصابئه المندائيون وممثل زعماء الكرد مع وفدا من شيوخ ربيعه وقد تم تسليم رسالة تعزيه من الزعيم عبد الكريم قاسم قرأها خالد عبد الحسين عريف العزاء الرئيسي في الجامع العثماني الكبير
وقد اوضح الاستاذ خالد عبد الحسين بعضا من السير الذاتيه لمعلمات المدرسه والانجازات الفنيه والرياضيه التي تميزت بها مدرسة العفه وتاريخ أنشائها كذلك وفودا من المدن العراقيه المجاوره وألقيت أروع القصائد ومنها قصيده الشاعر الكبير خالد عبد الله جكج أقدم مصوري الفوتوغراف في مدينة الشطره وأدمى قلوب الشطريون بقرائتها متهدجا باكيا ومع دموعه ضجت القاعه الكبيره بالنواح لفقد ان البرائه ونكبة بيوتات المدينه الجنوبيه الوادعه وقال فيها عصارة شعره
ولازالت كل التفاصيل والصحف في ارشيف الباحث غسان الشطري لكي تظل افجع المأسي للشطره وفيها تفاصيل القاء القبض على السائق المفجوع وارساله الى سجن البصره وحكم بالسجن وقد تنازل كل اهل المدينه عن حقهم في عقوبته
وقد ظهرت الصحافه العراقيه متشحه بالسواد ومنها جريدة العهد الجديد والتي نشرت في عددها المرقم622 الصادالمرقم 601الصادر في يوم السبت 5 كانون الثاني 1963وصفت الحادث المفجع الذي احزن الزعيم عبد الكريم قاسم وعشرات الصور للمأساة كذلك جريدة 14 تموز
لقد كان مقررا ان يقيم اهل الشطره اربعينية الشهيدات موحده تجمع كل العوائل المفجوعه وكل ابناء المدينه وقد وجهت دعوات الى ادباء وشعراء العراق وقد خط بطاقات الدعوه بفن الخطاط الشطري ماجد النجار والاستاذ هادي الحمداني واستنفرت المدينه استعدادها لذلك الحدث ووجهت الدعوة الى كل لجان الشبيبة الديمقراطية ومجالس الشعب في العراق ولكن الانقلاب الدموي الفاشي في يوم 8 شباط الاسود الذي اودى بحياة الزعيم وتسلط الحرس القومي وجرح مجموعه من ابناء الشطره واستشهاد احد المتظاهرين ادى الى الغاء كل شيئ
ولازال اهل الشطره حتى اليوم يسمون مقابرهم قرب (الغركانات)
الرحمه والغفران لبنات ومعلمات مدرسة العفه الابتدائيه .

شاهد أيضاً

الكناني : الكيان الغاصب ارتكب “حماقة كبيرة ” باستهدافه لإسم المرجع السيستاني

الأضواء / خاص  أكد الحقوقي عبدالكاظم الكناني، الإربعاء، لوكالة الضواء الاخبارية ، ان الكيان الغاصب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.