الرئيسية / أخبار عربية عالمية / شالوم !!! صرخة انثى في وجه التطبيع !!!

شالوم !!! صرخة انثى في وجه التطبيع !!!

الاضواء / الجزائر / ابو معاذ جمعي بن بشير شايبي 

مُدوياً صداها في سماوات الخديعة، ويجرف سيل مداد الدم الحار العرم من فوهة الروح والقلم غثاء المطبعين وسوس الخائنين قاذفا بها في مزابل التاريخ والقذارة والعطن، ويعمل مبضع من قلم الصدق والإيمان حد شفرته في اقنعة الزيف والخرس والبهتان، وينطق لسان الكاتبة التونسية الملهمة (وفاء بوعتَّور) بالحق المبين، فتهدينا من بعضها لوحة ادبية فنية من تحف اليقين . وإن صمت الحق دون أن يموت، فلن يعدم ألسنته الصادحة النطوق، كما جاء على لسان الكاتبة، (شامخة كالسماء – نقية كدمعة – شفيفة الروح كبلور)، وضيئة كالشمس بالنور، ما إن أردت ان اعبر النص بالقراءة، مبحراً على مراكب الكلمات، حتى وجدتني غارقاً لثقل معانيها، لم أكن حملاً زائداً على متن قوارب الحقيقة، فقد كنت جرحاً من جراحاتها المفتوحة، ونزيفاً من نزيف أحلامها الشهيدة . هذه الكاتبة التي تُجيد باقتدار خلق المسافات بين دنو الإحتراق وابتعاد الجمود، وتتقن ضبط حرارة الإقتراب بين الصقيع والإشتعال إتقانها فن الإختلاء واجتباء أمكنة الصفاء لتعمرها الروح بدلاً من الملائكة والشيطان، فتختار قداسة العتبات، هكذا نعبر بدايات الكاتبة، مثخنة بالجراح، طافحة بالألم، فياضة بأنزفة المعنى، فلا تسلم من اوجاعها أرواحناً، ولا سلمت من عظيم اثرها الظلال، ترسم لنا بوخز إبر أحرفها وشما يشهد على جميل المرور، وتذكاراً لقداسة الغرق في المداد، وشرف الشهقة في العمق فهما، حد التماهي والإنصهار، لتحفر في القلب حباً راسخاً لفلسطين الروح، فلسطين العروبة والتاريخ والوطن .
من ربيع لغتها وثبت صوب أفئدة أحبتها من القراء فتملكتها بالحب ودهشة الإبداع، من عرين لغتها الباذخة الجمال كلبؤة وثبت لتعيد تقويم المفاهيم في معركة الأفكار، دون أن تنجح ايادي اعدائها المثبطين في خنق مدادها الثائر في مهد الروح، (فينزف المداد)، ويضرب طوفان القلم لتبقى الفكرة آفاقاً عصية على الشنق والتطويق، وشنق الكلمة إن حدث فلن يكون إلا على أنشوطة رقابنا وألسنتنا . نقولها ونموت، فما قداسة ارواحنا وزكي دمائنا إلا من قداسة احرفنا ومدادنا سواء بسواء .
رواية شالوم نص يرفع الرؤوس ويغسل من على الجباه لطخة العار، خاصة إن بات حلمها بتجريم التطبيع حقيقة ماثلة ومطلبا مجلجلاً على السن الشعوب بسنه كقانون، وحين يغدو مطلبها مادة قانونية نورانية تتجمل بها دساتير الممالك والجمهوريات، إذا كانت العناوين هي مفاتيح النصوص، فإن شالوم هي مفتاح الخارطة السياسية للأوطان العربية، إذ تحيلنا بجرأة متفردة على أسواق خفية يتاجر فيها بالقيم والاوطان، وتباع فيها المقدسات القومية كالخردوات لصالح شرذمة من المسلطين على رقاب المحكومين كسائر الطواعين والسراطين والجوائح الكونية، للفظة (شالوم العبرية) عديد الترجمات بين المترادفات والأضداد التي ضمتها بطون القواميس، فهي تعني السلام والوئام والإزدهار والرفاه والهدوء والكمال كما تعني مخالفة الحق عن علم وعمد أي العناد كما تعني الوداع وقد ضم (التلموذ اليروشلمي) بعضا من هذه الترجمات .
تحسب الرواية على منهج أدب السياسة بامتياز، زمكانية النص تدور احداث الرواية شهر رمضان من عام الفين وثمانية عشر ميلادية في مدينة قابس من الجنوب التونسي الحبيب، اما شخوص ابطالها المبتكرين فمن الإطارات والنخب بوعيها السياسي الكبير ونضجها الفكري الحداثي المكتمل، ما فرض على الكاتبة التونسية وفاء بوعتَّور نسج منول حوارات شخوصها بلغة عربية فصحة عليا متينة راقية قحة بذكاء وقاد وملكة مبهرة ورصيد لغوي حافل بالتنوع والخلق والإيجاد، فأبدعت في نسج بديع ما تراكم من هموم النخب والشعب، لسردية النص اللغوية ميزة متفردة فبقدر ما كانت بناء فنيا متكاملا بعبقرية فذة بقدر ما كانت نزيفا روحيا بالدم قبل المداد، ومن محبرة القلب الذبيح بدل محابر الكتاب .
اما حبكة النص فجاءت في تصاعد فني سلس غاية في التناسق والتناغم والإتساق والإتقان إلى أن تبلغ ذروة العقدة ثم تتهاوى في تدرج منساب كالجداول صوب منابع حلولها لتختم بنهاية مفتوحة نجحت من خلالها الكاتبة وفاء في إيصال فكرة النص الى فهوم المتلقين من جمهرة قرائها مشفوعة بقفلة مدهشة من حيث حقيقة صادمة .. ومدهشة من حيث براعة الإلهام والإبداع .
كان للكاتبة قدرة فائقة على إمتاعنا منذ البدايات وذات القدرة الإبداعية على إدهاشنا عبر سائر الصفحات وإلى حد بعيد في نهايتها المبتكرة، إفتتحت روايتها بإضاءة تحاكي الصعقة او برقاً يكشف ما في كهوف الحقد المعتمة من خفافيش الظلام واعداء النور والنبوغ، أولئك الذين عصفوا بزوابع الطمس والتعطيل حتى لا يرى مولودها البكر النور فيحرمونه من الظهور. ويأبى الله إلا ان يتم نوره ولو كره المطبعون، فيقيض للحق السنته النطوق، ويظل مداد الكاتبة عصياً على الخنق، وعمق افكارها عصياً على التسطيح، ومنابع روحها وروافدها غير قابلة للتجميد والتجفيف برغم كل تلك الهرسلة والصروف، لتنتفض هذه المرأة الثائرة كعاصفة وتضرب كزلزال وتقذف بقذائف روحها البركانية، تقدح بأحرفها شرارة الحق فتوقد ما خمد من جمر الوطنية لتستعر الهبتها في قلوب الأحرار، وتستعيد من ردهة اليأس بمخلب الحق قطوف الأمل وباقات عبقة من ازاهير الحلم والحرية، لتعيد الحقيقة إلى سيرتها الأولى من بعد محاولات بائسة خاسرة في إجهاضها حتى لا تولد إلا خداجاً . وهاهي الكاتبة بوعتَّور هذه المرأة العظيمة التي تتنفس لغتها وينبض فؤادها بأحرفها نازفة الجرح بدماء الوطنية تهدينا بنصها بعضا منها وفلذة من فلذات القلب والفكر والروح، تهدينا كتاب العزة والأنفة والإباء، وتكتب لفلسطين نيابة عنا بكل هذا الصدق والحب بم يختلج الروح من دفين مواجعنا، إن للحق أقلاماً أجدى من المدافع، ولقلم وفاء فعل الزلازل وغضب البراكين وسطوة الجحيم، لهذا ستظل شوكة عالقة ابد الدهر في حلوق الخانعين، وذلك ما كانته حقاً من خلال ما جاء في صفحة إمضائها التي تلت إضاءتها، تتبعها صفحة إهداء لأرواح شهداء الأرض والفكر والأدب والفن وزعماء الأمة قاطبة، وإهداء لخاص أحبتها : الأب الحنون فتحي بن عبودة رحمه الله وإلى كل احبتها من قرائها الأحرار في العالم، ثم تختص رائد الفكر الحداثي في عالمنا العربي الراحل إدوار الخراط بتأبين حي لخالد لا يموت، وإن امثاله حقا منذرون للخلود وإن رحلوا، اولئك الذي هزموا الموت بعظيم ما خلفوه في أفئدة وعقول الأحرار من فكر وحب وأدب لا يطاولهم في إرثهم أحد، وهنا يتجلى على الكاتبة أثر الأب في التربية ..وأثر معلمها وكاتبها الاوحد في الصقل والتكوين، كان لهذا النص الروائي الماتع كواليس فنية دارت بين الكاتبة وبطلها المختار، تمت بينهما صفقة الإبداع والإختلاق برضى نفس وتوافق فكري روحي مختوم بالحب موقع بالدم و حجة الإقناع، ثم تأتي فاتحة الكتاب رائعة الراحل محمود درويش سجل أنا عربي، هذه القصيدة التي ما إن اعدت قراءتها إلا وانفلتت من محجري عيني أدمعي وفار في شراييني دمي من عظيم نخوتي وعضبي .
قسمت الرواية إلى اربعة عشر مقطعاً يفتتح كل مقطع بمقولة لأحد كبار المفكرين والادباء ومشاهير الشعراء (كارلوس زافون ، هرمان هسه ، ألبرت انشتاين ، مالك حداد ، إيرل ناينتجيل ، مظفر النواب ، إدوار الخراط ، جمال الغيطاني ، انطون سعادة ، نيكوس كازانتزاكيس ، غاستون باشلار ، ومحمود درويش) .
تعرفنا الكاتبة وفاء بوعتَّور بشخصية بطلها العامل الإداري بأحد المعاهد التونسية (جمال مهران) بلغة وصف مذهلة مدهشة لتقاسيم سحنته وتؤثث ما في غرفته من سقط متاع بلغة متجددة مفعمة بالجمال، ولكأنه شخصية حية لا مجرد بطل من ورق وهو يحاول إعادة تأثيث أحلام لياليه الفارطة الهاربة هروب الغيمات الصيفية مجهدا ذهنه في إسترجاعها فتواصل إنفلاتها منه كحفنة من نور أو حفنة من حبات رمل أوماء من بين أصابعه الضامرة النحيلة تبددها أنسام اليقظة كما الدخان وسط غرفة لاتسع عظيم أحزانه المتمادية الآفاق وحنينه الجارف من نبع الفؤاد لا ملك ليمينه غير كتب مكردسة ترفل بجانبه وكراسة يرصف على صدور سطورها بالقلم وجعه الدفين، لا يجيد قراءتها على صفحات عينيه وتقاسيم سحنته، غير ناصر بن جاد خلص صحبه واعز رفقته واوفى خلانه .
أما شالوم فهي كاميرا خفية تبث حصتها عبر قناة الخارفة مديرها العام مفيد سحرون . تستضيف في إحدى ليالي رمضان شخصية فاعلة في المشهد السياسي التونسي متمثلة في قملاشي فتوقعه في مصائد خدعها وفخاخ مقالبها فينسلخ عن جلد حقيقته كالحيات ويبارك التطبيع مع بني صهيون باستفزازاته الصارخة لمشاعر لمشاهدين والشعب ومنهم جمال ومن كان حاضرا ليلتها بمقهى الفلوكة الشعبي، وتسري فورة الغضب في دماء الحاضرين وتثور ثائرتهم وتدور ثمة حوارات طافحة بالرفض لطرح ضيف الحصة المقيت .
جمال بقلبه المخموم وهو يبحث في ليل جارح عن تفسيرات لسخرية الزمن العاري وساعات عبثه الأبدية، وعن فضاءات فكرية أرحب من التيه والفراغ والسرابات . تجلده سياط الكلمات المقبورة في بطون الكتب وبين بوابات دفافها . هائم الروح شريد النظرات . لا يثقل يمينه غير خاتم بلا منمنمات متترسة بقلم وكراس يجهد في إفتكاك من فم المجهول اجوبة لأسئلته المعلقة الحائرة . من يحجب الشمس عن قدومها ؟. كيف وبماذا ننتقم لشعورنا الوطتي المضطهد ؟. كيف نوقف إختراق النسيج الفكري التونسي على يد آلة إعلام مسيخ يتبول بالدجل على المسلمات والمقدسات ويتبرز على الهويات في العلن ؟.
يذرع جمال الازقة الضيقة والحارات العتيقة والأسواق ايام رمضان حافلة بعادات الشعب وثقافاته وتقاليده المتوارثة مضطرم الروح في غدواته وروحاته مثقلا بأحاسيس العذاب والإغتراب كمهجر في منفى الوطن موؤد الأحلام معاقرا صمته المطبق مداريا براكين روحه النشطة متقصياً لطريقة ثأر شريفة لأمته من ذلك العميل الممسوخ . إلى ان يتهادى إلى قناعة راسخة مفادها أن الوطنية عمل لا مجرد كلام . وان سعادتنا بالكرامة والحرية لا تعاش دون أن تتأتى من جسيم التضحيات ..وان الوطن في القلب . فإن لم يكن له ذلك المكان في دواخلنا فلا ثمة من وطن . إلى أن يجمعه القدر ذات مساء في منطقة زريق بمدينة قابس من بعد ترصد حثيث بقملاش فيمرغ انفه في الوحل والتراب باللطم والركلات تاركا إياه كجثة هامدة معلقة بين الموت والحياة مخلفاً وراءه نفاية بشرية ويلوذ بالفرار رفقة صديقه على متن دراجة فيسبا قاطعا ظلمة الليل معقود العنق بكوفية، متسللا بين الاحراش قاصدا بيت صديقه مراد جندار . هل جربت اللعب بالنار في زمن الخمود والرماد .. وان تذري رماد الخنوع في اعين الخونة والمطبعين وان تستحم بالحق وضياء شموسه تحت سماء الحرية المرصعة بأنجمها الحمراء بلون الدم إستلته من روافد الشرايين والعروق، ثم تغدو مطاردا مطلوبا بأمر وزاري كإرهابي فار وواحد من منظري الجريمة ؟.
بدد جمال وناصر تلك التهم الواهية المزعومة بتسليم نفسيهما وتقولب إفادات تحقيقهما في معلبات الأيديولوجية المستهلكة إلى ان تقوم ساعة محاكمتهما كمتهمين بجنحة الضرب العمدي وإستعمال القوة المفرطة . على خلاف ما جاء في قصة طفولتنا الشهيرة علي بابا واللصوص الاربعون وقف جمال وناصر والمحامون الاربعون في محكمة لا في كهف لتسترد حقوق المظلومين من بعد ثلاثة ايام بلياليها خلت وهما يقبعان في الزنازين مكوث السلاطين .
كم إستمتعنا بم جاء في مرافعة جمال ومرافعة المحامين عنه وعن ناصر وعن كرامة الشعب والوطن وفلسطين والهوية فكانت بدورها انتقاما لتلك الإهانة المقيتة . والشيء الوحيد الذي احتسبه على الكاتبة وفاء هو عدم إدراجها في النص لمرافعة هيئة الدفاع الموكلة عن قملاش باعتباره ضحية من وجهة نظر قانونية .. كان ذلك سيزيدنا متعة اكثر وأشمل واوسع عن تلك المناظرات الفكرية كما كان لنا ذلك مثلا في آخر فصول رواية الإخوة كارامازوف للعملاق الملهم دوستويفسكي .
بعد المداولة ينطق بالحكم بعدم سماع الدعوى وبطلان الإجراءات وتستعيد الحرية اطيارها، إلى أن يتلقى من بعد ايام جمال مكالمة هاتفية يبلغ من خلالها بأن النيابة طعنت في الحكم واستأنفت القضية . ولنا ان نقرأ هنا مالم يكتب، ففي هذا المصمت عنه تكمن حقائقنا المروعة ونتعرف على اوجه واقعنا الفضيعة . لم يكن ضرب جمال لقملاش عنفا بل كان تأديبا وما اهول البون بين الضرب والتأديب ..كون عنف جمال ماهو إلا إنسانية متأصلة .
ولي ان اسأل : الإعلام الذي يبارك التطبيع بالبث والتشهير الا يعد عنفا على حرمة البيوت والارض والأعراض والهويات والعقائد ؟ ألا يعد هذا عنفا إعلاميا وعنفا معنويا وعنفا قانونيا ؟ بلى وإني أسميه بالعنف الناعم . وهل ثمة من رقابة مسؤولة تعيد لنا كرامتنا المهدورة ؟ ألا ثمة من مبضع في يد حاكم جراح يجتث من بيننا أصحاب الخيانات القديمة علها تشفى من العلل الاذهان المسمومة السقيمة ؟ إن قملاش رمز سالب قابل للإستنساخ، فكم من قملاش حي لايزال يقيم بين اظهرنا، وكم من قملاش عاش دهره مطبعا ولما مات قبر بأرضنا ؟ وكم من قملاش دنس ارضنا وعرضنا ولطخ بعار التطبيع جباهنا ؟ وكم من كاميرا كشالوم في الخفاء والعلن تبارك التطبيع مع بني صهبون ؟ .
من خلال إختيار الكاتبة لأسماء شخوصها المختلقين يتبدى لنا حاد ذكائها وكامل قدرتها على امتلاك كامل لأدوات البناء الفنية . فمثلاً جمال وناصر هما نسبة للزعيم الراحل جمال عبد الناصر ونسبة للقومية العربية . مثلاً ما يعنيه إسم قناة الخارفة وإسم مديرها مفيد سحرون ؟.
في ذلك دلاليات مبطنة يستحسن بالقارئ التعمق في فهمها . فعلاً إن نص الكاتبة وفاء ينضح بالدلالات والرمزيات التي تستوجب منا أن نقف عندها طويلاً .
أقول أيضاً لليهود : إن القلوب أولى من الرؤس بغشية الخشية السماوية .. وأن الوجود الإلاهي يتجلى في القلوب الطاهرة قبل الرؤس من باب أولى . وان ذكر اسم الرب لايجوز ممن خرب قلبه وإن اعتمر راسه بالكيباه . وإن الرب لم تضق به سبع ارضين ومثلهن من السموات حتى يعلو خراب رؤسكم وقفرها وجدبها من الخير وحب الإنسانية .
وأقول أيضاً : إن دساتيرنا تعج بخنوع سموه مجازا فراغات قانونية، وما تلك الفراغات إلا مهاوينا الروحية والفكرية السحقية وجراحاتنا المفتوحة وبواباتنا المشرعة في اوجه اللصوص والأوغاد والأعداء والإتفاقيات والمعاهدات التاريخية الملعونة .
لقد أخرت عن عمد قراءتي الخاصة لغلاف الرواية . تظهر صورة الغلاف رجلا طاعنا في السن يولينا ظهره معتمر الرأس بكيباه وهي قبعة سوداء لطلاب علم الدين اليهودي الملبية لنداء التلمود: غطي رأسك عسى ان تغشاك الخشية من السماء . تكريساً لمبدا توقير الله يعللها المعتقد اليهودي القائل: الوجود الإلهي دائما فوق الرؤوس . وكما تنص احكام شريعة المالاخاه باعتباره وسيلة إضافية للإظهار التقوى إذ تقول : لا يجوز ذكر إسم الرب على فم من كان راسه مكشوفاً . معتقدين بان الوجود الإلهي دائما فوق رؤسهم، وفي الصورة يعقد ذلك الرجل على كتفه كوفية وللكوفية الفلسطينية دلالة عظمى ورمزية مقدسة للتحرير والكفاح . وفي ظهر الرجل جرحا نازف الدم وقد ضمخ تلك الكوفية . أفهم من خلال الصورة أن اليهودية قد عششت في الرؤس وإن تمظهرنا بلبس الكوفية والشعارات، وأن جراح اظهرنا طعنات غدر بخناجر منمنمة المقايض بالرسمية . بمثل جمال وناصر تنقذ الكرامة من الذل والهوان ومادربهما إلا سبيل من كافح حتى لا تذهب عزته أدراج الرياح التاريخية . وإن لهما ولكل من شاكلهما حق احتكار تمجيد الأسماء وتخليدها على صفحات التاريخ .
الكاتبة وفاء بوعتور قلمها بندقية محشوة برصاص الكلمات خارقة حارقة في مقتل تقنص عدونا وعدوها دون ان تطيش، وإن نصها هذا قطعة من نور وإيمان راسخ غير قابل للزعزعة، وقبس يقين لا تطرقه الشكوك، وقطفة نضرة من أزاهير الأنفة، وتغريده بلبلة حرة في الزمن الغريب . وتمسك بالحقيقة والحق حد الفناء . صرخة مدوية في وجه عالم ارعن لا يمجد غير الغطرسة والإستبداد . هذا النص حقيقة عارية تحت الشمس، ودم زكي من مداد دافق في شرايين العروبة .
سيدتي (وفاء) تضيق تونس الخضراء برحابتها عن أحلامك الكبيرة وأفكارك المتمادية اللامتناهية الأبعاد والأعماق لهذا وجب أن يكون لك قراء حصافا خارجها وعبر كل الامصار والأصقاع . هذه الرواية أرض واحدة لا تكفيها، ولو كان الامر بيدي لقررتها مادة للتدريس في كل مدرسة وجامعة وكلية . فهذه الرواية قبلة حق مطبوعة بشفاه الأحرف على جبين الشمس .
أخيراً اقول :
لقد أسري بي على مراكب من كلمات، من جزائر الثورة والشهداء، إلى تونس الخضراء، ثم فلسطين الفداء، ثم عرج بي إلى سابع سماوات اليقين، على براق معانيها . هناك .. هناك ..فرض حب فلسطين، وصلوات اليقين الخمسون نصليها في خشوع في محاريب الحرية .

شاهد أيضاً

قصه قصيره جدا : يوم من حياتي

منى فتحي حامد – مصر يوم من حياتي، عندما صعدت إلى المنصة، ألقيت ما لذ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.