الرئيسية / آراء حرة / المنظور القرآني حول الجريمة

المنظور القرآني حول الجريمة

بقلم /د.  احمد وحيد ـ مصر

وردت الجريمة ـ مادة ـ في القرآن الكريم أكثر من ستين مرة ، ولم ترد بلفظها ولا مرة واحدة، حيث
وردت الألفاظ الآتية : الإجرام ، أجرمنا ، أجرموا ، تجرمون ، مجرمون ، مجرمين ، مجرميها ، من هذه المادة للدلالة على اسم المصدر : الجريمة .
في هذه الالفاظ عرض القرآن الكريم لسمات المجرمين ، وأوصافهم ، وحالاتهم وأعمالهم ، وحسراتهم ، ومفارقاتهم ، وصورهم ، وانذارهم ،وتحذيرهم ، وارشادهم عن غيرهم ، ووازنهم بسواهم من الصالحين والمسالمين والبررة.
وهنا نستطيع أن نلمس الإسلوب النفسي الرائع الذي اعتمده القرآن الكريم لمكافحة الجريمة من خلال التأثر والتأثير في الوعد والوعيد والترغيب والترهيب والإصلاح .
فإن الإجرام كما يصوره لنا القرآن الكريم ذو ظاهرتين :

الأولى : الاجرام الفردي وهو الذي يتحدث به عن المجرم ذاته ، ويراد به جنس المجرم أنّى كان جرمه ، ويمثله قوله تعالى :

ـ ( يُبَصَّرُونَهُم يَوَدَّ المُجرِمُ لَو يَفتَدِى مِن عَذَابِ يَومِئِذٍ بَبَنِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ * )
ـ ( إِنَّهُ مَن يَأتِ رَبَّهُ مُجرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحيَى * )

وقد يبرز الاجرام الفردي في هذا الملحظ مزعوماً دون جريمة كقوله تعالى :
-(قُل إِنِ افتَرَيتُهُ فَعَلَىَّ إِجرَامِي وَأَنَا بَرِيءُ مِّمَّا تُجرِمُونَ ) .

فليس هناك افتراء ، وليس هناك اجرام ، ولو ثبت الافتراء افتراضاً لتحقق الاجرام ، ولو تحقق الإجرام ، فلا تؤخذون بجرمي ولا أؤخذ بجرمكم ، وفيه تأكيد على اجرام الكافرين.
الظاهرة الثانية : الاجرام الجماعي ، وهو الذي يتحدث به القرآن الكريم عن الجماعات المجرمة، ويمثله قوله تعالى :
ـ ( سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجرَمُوا صَغَارٌ عِندَ آللهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمكُرُونَ ) .
ـ ( إِنَّ الَّذِينَ أَجرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ ءَامَنُوا يَضحَكُونَ * ) .
ـ ( وَكَذَلِكَ جَعَلنَا فِي كُلِّ قَريَةٍ أَكَابِرَ مُجرِمِيهَا لِيَمكُرُوا فِيهَا ) .

بعد تشخيص هاتين الظاهرتين نجد القرآن متحدثاً عن سمات المجرمين وأوصافهم في كل من النشأتين الحياة الأولى ، والحياة الآخرة .

وتبدأ مشخصات الجريمة في القرآن بالقتل المتعمد ، وبقطع الطرق بالسرقة ، وبالزنا ، وارتكاب الكبائر والمحرمات ،
1 ـ القتل : يعتبر القتل من أبشع الجرائم في القوانين السماوية ، وهو كذلك في القوانين الوضعية.

ـ قال تعالى : ( وَلاَ تَقتُلُوا النَّفسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالحَقِ وَمَن قُتِلَ مَظلُومًا فَقَد جَعَلنَا لِوَلِيّهِ سُلطَنًا فَلاَ يُسرِف فِي القَتلِ إِنَّهُ كَانَ مَنصُوراً *
( وَلاَ تَقتُلُوا النَّفسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالحَقِ ذَلِكُم وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُم تَعقِلُونَ ) .

وقد عالج القرآن ظاهرة القتل المتعمد نفسيّاً في عدة ملامح تحذيرية وترغيبية وإصلاحية .
أولاً : حذر القرآن الكريم من قتل الأولاد خشية الفقر بأن ربط الرزق بالله ، فنهي عن القتل لهذا الملحظ فقال في آيتين :
– ( وَلاَ تَقتُلُوا أَولَدَكُمُ مِّن إِملاَقٍ نَّحنُ نرزُقُكُم وَإِيَّاهُم ) .
ـ ( وَلاَ تَقتُلُوا أَولَدَكُم خَشيَةَ إِملاَقٍ نَّحنُ نَرزُقُهُم وَإِيَّاكُم ) .

ويلاحظ هنا الذوق البلاغي في القرآن إذ استعمل في آية الأنعام ( من املاق ) وفي آية الاسراء ( خشية املاق ) وفي الأولى قدم ضمير الخطاب ( نرزقكم ) على ضمير الغائب ( اياهم ) وفي الثانية عكس الامر فاستعمل مكان المخاطب الغائب ( نرزقهم ) ومكان الغائب المخاطب ( اياكم ) .
ثانياً : الانكار الشديد بصيغة الاستفهام ، قال تعالى :
-( وَإِذَا المَوءُدَةُ سُئِلَت * بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَت * )  .

ثالثاً : الوعيد بالخلود في النار ، وغضب الله تعالى ولعنه وهو أشد ،وإعداد العذاب العظيم وهو أقطع ، ويمثل هذا الاتجاه قوله تعالى :
-( وَمَن يَقتُل مُؤمِنًا مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَلِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً * )  .

رابعاً : الثناء المطلق والوعد الجميل مع الوعيد باعتبار الذين يتصفون بعدم القتل من عباد الرحمن ، قال تعالى في صفتهم :
-( وَالَّذِينَ لاَ يَدعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا ءَاخَرَ وَلاَ يَقتُلُونَ آلنَّفسَ الَّتِي حَرَمَ آللهُ إِلاَّ بِالحَقِ وَلاَ يَزنُونَ وَمَن يَفعَل ذَلِكَ يَلقَ أَثَامًا * ) .

خامساً : التبكيت والتسفيه والخسران فيما قال تعالى :
  – ( قل أغير الله أتخذُ وليّاً فاطرِ السمَوَات والأرض وهو يُطعِمُ ولا يُطعَمُ قل إني اُمِرتُ أن أكون أول من أسلم ولا تكونَنَّ من المشركين *)  .

وهكذا نجد القرآن العظيم قد استقطب مختلف الاساليب لدرء جريمة القتل بين الوعد والوعيد وتهيأة المناخ النفسي ليطمئن المجتمع وتصان الأرواح .

2 ـ السرقة : لقد حدد القرآن حكم السرقة ؛ واعتبرها من الجرائم التي يعاقب عليها بقطع اليد بنص قوله تعالى :
-( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقطَعُوا أَيدِيَهُمَا جَزَاءً بِما كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللَّهِ وَآللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * )  .
هذا الحكم له حدود وله قيود في تعيّن مبلغ السرقة ، وهوية السارق ، ومكان القطع ، وللفقهاء فيه كلام طويل ، وكذلك الحال في نوعية السرقة غصباً أو سلباً أو أغار سراً أو علانية ، لكن المهم هو وقع الحكم على الاسماع وشدته لدى التنفيذ ، وهذا ما دفع الأوربيين والمستشرقين إلى تصوير الإسلام بأنه دين وحشي ، وليس الأمر كذلك ، لأن الظروف المعيشية التي سخرها الله لعباده ، هي أكبر  من ظروف الاعتداء على أموال الآخرين ،

٣- الزنا  : هو جريمة يقترب منها من لا عائلة له يحافظ على شرفها ، ولا زوجة يصون حرمتها ، ولا بنت يغار عليها ، ولا أخت يثأر لكرامتها لأن الزنا دين كما يقول العرب و « كما تدين تدان » ، وقد جعل الله سبحانه وتعالى في الزواج غنى عن هذه الجريمة الخلقية في أمراضها وأضرارها ونتائجها . قال تعالى :
-( وَلاَ تَقرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً * )  .
وقد عالج القرآن هذه الظاهرة عملياً بالطرق الشرعية المسنونة ، وشدد عليها فقال تعالى :
-( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجلَدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنهُمَا مِائَةَ جَلدَةٍ وَلاَ تَأخُذكُم بِهِمَا رَأفَةٌ فِي دِينِ اللهِ إِن كُنتُم تُؤمِنُونَ بِاللهِ وَاليَومِ الأَخِرِ وَليَشهَد عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ المُؤمِنِينَ * ) .

ثم أوضح القرآن الكريم الحمية والغيرة والكرامة ، وأنه ليربأ بالنفس الإنسانية عن هذا المسلك الوخيم فقال تعالى :
-( الزَّانِي لاَ يَنكِحُ إِلاَ زَانِيَةً أَو مُشرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لاَ يَنكَحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَو مُشرِكُُ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى المُؤمِنِينَ * ) .

لهذا كان قذف المحصنات والتشهير بهم من الكبائر التي يعاقب عليها الله تعالى ، وانظر إلى قوله :
-( وَالَّذِينَ يَرمُونَ المُحصَنَٰتِ ثُمَّ لَم يَأتُوا بِأَربَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجلِدوهُم ثَمَانِينَ جَلدَةً وَلاَ تَقبَلُوا لَهُم شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِٰكَ هُمُ الفَسِٰقُونَ * ) .

ولنبتعد قليلاً عن هذا المناخ إلى عظمة قوله تعالى في صد هذا المناخ :
  – ( وَمِن ءَايَتِهِ أَن خَلَقَ لَكُم مِّن أَنفُسِكُم أَزوَاجًا لِتَسكُنُوا إِلَيهَا وَجَعَلَ بَينَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لأَيَاتٍ لِّقَومٍ يَتَفَكَّرُونَ * ) .

  -( وَلاَ تَمُدَّنَّ عَينَيكَ إِلَى مَا مَتْعَنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ آلحَيَاةِ الدَّنْيَا )  .

ألا تنظر إلى قوله تعالى وهو يُرَغِّبْ بنعيم الجنة في ملذاتها الحسية :
-( وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَلِدُونَ ) .

وإلى قوله تعالى :
-( وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللهِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ) .

4 ـ كبائر المحرمات : وهي عبارة عن المحرمات التي ذكرها الكتاب العزيز ونص عليها علماء التشريع الاسلامي مما يعتبر الوقوع فيها منافياً لعدالة المسلم ووصفه بالفسق تارة وبالكفر تارةآخري ، فمنها : عقوق الوالدين ، أكل مال اليتيم ، أكل الربا ، شهادة الزور ، كتمان الشهادة ، شرب الخمر ، ترك ما فرض الله تعمداً ، ما تقدم من قتل النفس المحترمة والزنا والسرقة ، قطيعة الرحم ، الكذب ،
وقال تعالى في محكم كتابه عن الزواج لعفة المسلم :
-( وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُم إِن يَكُونُواْ فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ وَاللهَ وَسِعٌ عَلِيمٌ * )  .
فإني أدعو كل اب وكل أم، بعدم المغالاة في المهور تخفيفا علي الشباب لعل ذلك سببا لعفتهم عن ما حرم الله .

شاهد أيضاً

قـراءة فـي روايـة فـرانكشتاين  في بغـداد )) للروائي احمـد سـعـداوي

كتب : جمـال  عـابـد فتـاح ـ العراق هذه الرواية من طباعة منشورات الجمل / بيروت …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.