الرئيسية / تقارير ومقابلات / رجال من بلادي الشيخ بدر الرميض

رجال من بلادي الشيخ بدر الرميض

الأضواء / تقرير/ راهي العلياوي

 

عَشقَ الوطن منذ نعومة اظافره ، استنشق هوائهُ، طاف بربوعهِ وتربى في دواوينهِ ،اعتلى صهوة جواده ،مد يدهُ للخير معطاءً بجودٍ بدون ردٍ لاحسان،كان بيرقا خفاقاً ولكنه ليس ككل البيارق كان عالياً بساريتهِ ،فاح عطر رجولته وشهامته عانق بها الثريا،كُتبت الاشعار لجوده وشجاعته وكرمه،افترش الارض مع الفقرا واحبهم ،كان سيفاً بتار بوجه اعدائهِ ،انه مجاهد من مجاهدين هذا الوطن( الشيخ بدر الرميض)
من هو بدر الرميض ….
هو بدر بن عجيل بن سلمان بن ثنيان بن شدود بن حمد بن رميض (رئيسا لعموم الصوالح وجد آل رميض)
بن عمارة بن صالح (جد البو صالح) بن احمد بن صالح البصير (جد قبيلة الصوالح)بن شمردل بن منصور بن
زيد بن عجاج بن فاضل بن خضر بن عباس بن كرك
بن عامر بن فرج نور الدين بن محمد جميل (جد بني جميل) .
وبدر الرميض هو شيخ البو صالح ورئيسا لعموم تحالف
( بني مالك والعشائر التابعة لها) في ثلث بني مالك في امارة المنتفق .
وهو اشهر من ان يعرف بالنظر لما يتمتع به من شخصية مُهابة جمع الشجاعة المشهورة الى جانب الكرم العربي الاصيل،والتمسك باحكام الدين الاسلامي الحنيف وتقاليده واخلاقه ،مما جعله ان يكون واحد من ابرز شخصيات العراق في تاريخه الحديث .
اما مواقفه الوطنية فقد عبرت عن مدى اخلاصه للعروبة والعراق والاسلام الحنيف سيما في مقارعة الاستعمار
البريطاني اثناء شروعه باحتلال الوطـــن خلال
الحرب العالمية الاولى فقد شهد بها العدو قبل الصديق ..
فقد وصفه الانكليز بالشيخ الوطني ، وقالوا عنه انه شيخ ذا بساله ،والبسالة هنا تعني الوطنية …
هدفت السياسة البريطانية اخضاعه بشتى السبل لانه
كان المفتاح لدخول جميع مناطق المنتفق (محافظة ذي قار واهوار جنوب العراق)ولم تتمكن من ارضائه او كسب مهادنته ، فقد لبى دعوة الجهاد الاسلامي لمقاتلة الانكليز …
وقف مع الدولة العثمانية التزاما منه باحكام الاسلام ،
رغم سوء الادارة بالعهد العثماني ! واقسم اليمين في معركة الشعيبة عام 1915 م ان لايهادن وان لا يعقد حلفا مع الادارة البريطانية وظل وفيا لقسمه هذا ،
بعيدا عن نفوذ الحكومة ولم يعترف بالادارة البريطانية

قولون كانت السياسة البريطانية تهدف الى اخضاع (بدر الرميض)شيخ عشيرة البو صالح وأحد رؤساء بني مالك .بل كانت تعتبر قدوم (بدر)اليها واعلان ولائه
مفتاحا رئيسيا لدخول جميع مناطق المنتفق ،حيث
كانت حوادث الانتقام والفوضى في السنوات الاخيرة من الحكم العثماني ضاربة اطنابها في منطقة الاهوار وكانت العشائر تتفاخر وتتباهى في حمل السلاح .
بل كان حمل السلاح رمزا للقوة والمنعة والشرف .
وكانت العشائر منهمكة في منازعاتها الداخلية ،
فكان لكل عشيرة عداوة مع عشيرة اخرى او فرع منها ،
تغتنم الفرصة للانتقام واخذ الثأر منها .وكان شيوخ
العشائر يتمتعون بشيء من الاستقلال الذاتي .
وخلال الحرب العالمية الاولى 1914 م لبى الشيخ (بدر الرميض) دعوة الجهاد لمقاتلة الجيش البريطاني ،
وقد اقسم اليمين في سنة 1915 م في معركة الشعيبة ان لا يهادن وان لايعقد حلفا مع الادارة البريطانية ،
وظل وفيا لقسمه هذا بعيدا عن نفوذ الحكومة ، فلم يعترف بالادارة البريطانية .
وفي ربيع سنة 1918 م وفي الايام الاخيرة من الحرب استطاعت القوات البريطانية ان تهزم القوات العثمانية
من اراض مابين النهرين الى جبال الموصل .
وكانت السياسة البريطانية آنذاك تقوم على اساس القضاء على مقاومة العشائر التي بقيت في المؤخرة
وكانت الحالة هادئه في اهوار المنتفق ماعدا (الشيخ بدر الرميض) الذي كان يتمتع بنفوذ واسع .وكان شوكة
في عين الادارة البريطانية .
الا ان مقاومة عشائر المنتفق اخذت بالضعف نتيجة اسباب كثيرة منها طمع شيوخ العشائر من خلال الاغرائات الكبيرة التي قدمتها الحكومة البريطانية كالجاه والمال والمقاطعات الواسعة من الاراضي
لانه اغلب الشيوخ ادركوا اهداف السياسة البريطانية في الاحتلال والبقاء في العراق ، وحكم العراق ،
ولهذا تعهدوا بالولاء والطاعة .
بينما بقيت بعض العشائر مستمرة في قطع اسلاك البرق وعرقلة سير السفن ،
وظل (بدر الرميض) معارضا متذمرا .لم يغادر موطنه
في الاهوار الا مرة واحده في حياته ،
عندما خرج للجهاد ليقاتل ضد الانكليز . وكان الحاكم في تلك الفترة (هارولد ديكسون) في المنتفق ، الذي
استطاع ان يستميل كافة الشيوخ في المنطقة ماعدا (بدر الرميض) اذ اخفق في مساعيه .
ومما تجدر الاشارة الية ان(ديكسون) كان يتحدث باللغة العربية الدارجة وكان يعرف الشيوخ وافراد اسرهم
ويروي (ديسكون) عن نفسه مرة عندما كان يتجول في مركبه الحربي في بحيرة الحمار ، وكان يرفرف عليه
العلم البريطاني لارهاب العشائر وتخويفها او استمالتها ،
وخاصة استمالة الشيوخ والرؤساء ، وكان يرغب في مقابلة (بدر) . ولكن (بدر)اصر على اجراء المقابلة خارج
مدينة الناصرية.
لان السياسة البريطانية كانت تقوم على دعوة الشيوخ الى زيارة الحاكم السياسي وتقديم الولاء والخضوع
وقبول الهدايا التي يقدمها الحاكم السياسي والتي
تكون عادة اما راتباً شهرياً او منصباً ،
وعين مكاناً ليتم اللقاء فيه بشرط ان تكون المقابلة دون حمل السلاح .
وعندما استشار (ديكسون) الشيوخ الموالين له ، اشاروا عليه بعدم الذهاب مؤكدين وجود نية سيئة ، ولم يأخذ
(ديكسون) بمشورتهم لانه رأى فيها غلقاً كاملا للباب المفتوح على مصراع واحد ،
وذهب لمقابلة (بدر) في كوخ قائم على احدى الربوات عند الفجر في سهل مفتوح ،
انتظر (ديكسون) مدة من الوقت حتى ضن في البدء ان (بدر) لم يف بوعده ،
ولكن ما ان انتصبت الشمس في كبد السماء حتى شاهد (ديكسون) بناظوره غبارا متصاعدا ،
استطاع ان يميز ثمانية من الخيالة قادمين نحو الكوخ ،
فنهض (ديكسون) فنزل الخيالة من على ظهور خيولهم وترجل (بدر) .
يصف (ديكسون) بدر فيقول (طويل القامة ، عريض الكتفين ،ظهره مستقيم ،بالرغم من بلوغه الخامسة
والستين من عمره ،وله عينان ثاقبتا البصر،وله لحية)
وبعد تبادل التحية والسلام عرض (ديكسون) الحظ والبخت والامان ،وطلب اليه المجيء الى الناصرية،
واخبره بانه سيبرق للمندوب السامي يعلمه بتقديمك (المقصود بدر) الطاعة للحكومة ووعده بالمحافظة
على حياته ،وبالوصول الى حل شريف ،وبالعودة الى
عشيرته دون ان يناله اذى . فشكره ووعده بالذهاب
معه في صباح اليوم الثاني بعد اللقاء في نفس المكان ،
ونفس الزمان ، ولكن (بدر) ودعه ولم يعد اليه ثانية .
بعد سقوط الكوت واحتلال مدينة بغداد ودخول الجيش البريطاني فيها. لكن هنا نود بان نذكر الى انه
استمرت بعض العشائر في عدم طاعتها لاية سلطة ،
فالتجأت الادارة البريطاني المحتلة الى الاستعانة
بشيوخ العشائر الموالين لها في ادارة مناطقهم العشائرية .
ولم يكن شيوخ العشائر يدفعون اية ضريبة كانت للحكومة ولم يعترفوا بحقوق الملاكين اصحاب
السندات الوهمية .لكونهم كانوا مجهزين بالاسلحة
التي غنموها من الجيش العثماني بعد انسحابه من
سلسلة المعارك الطويلة التي حصلوا عليها من الانكليز .
وكانت منطقة سوق الشيوخ معروفة بمناعة قلاعها وقوة مقاتليها ،
وفي حزيران 1918 م حدث حادثة ارسلت على اثرها الادارة البريطانية مركبتين مسلحتين الى (بدرالرميض)
فرفض المجيء ،قصفت على اثرها قلعته وقتل بعض
من رجاله ، واعتبر (بدر) خارجا على السلطة البريطانية
وعين (سليمان نصر الله) وكان منافسه رئيسا لبني مالك وانيطت به مديرية ناحية البو صالح .وفي خضم
تلك الحداث القي القبض على ابنه (حسن) في الناصرية ،ولكنه استطاع ان يفر من السجن
في الناصرية والعودة الى عشيرته .
وكان (بدر) يتمنى عودة الحكم العثماني الى العراق .
وكانت الادارة البريطانية توجه اليه مختلف الاتهامات ،
مثل رفضه الاعتراف بالحكومة البريطانية ، ودفع مابذمته من ديون مستحقة ،
وايواء الجواسيس وقبوله مساعدات من الحكومة العثمانية …
اشتهر بدر الرميض بكرمه ويعد من اجواد العرب المعروفين عبر التاريخ ،
حيث انفق امواله ليس لاطعام الناس في مضيفه فقط
ولكن كان يساعد العوائل والعشائر الفقيرة بالمؤونه التي تسد رمقهم ،
يروي احد المعمرين قبل سنين انه ايام القحط
الذي مر على العراق في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين .
والذي كان بسبب مضايقة السلطة التركية للشعب وسلبها امواله بفرضها الضرائب المتنوعة (الاتاوات) ،
او الضغط الذي كان يعاني منه الناس ايام الاحتلال الانكليزي للعراق .
وانحسار مصادر الرزق واشاعة البطالة ومع ماكان يحدث من نكبات
بسبب فيضانات نهري دجلة والفرات المدمرة وانتشار الاوبئة ..
في تلك الظروف قال المعمر ،ان القوافل كانت ترد الى بيت بدر آل رميض..
فتعود محملة بالسكر والقمح والرز والتمر ، التي كان يهبها بدر الى عموم العشائر المنكوبة .

وبدر الرميض هو القائل مخاطبا ابنه الكبير حسن :
حسن يبني تلكَه الضيف حي بيه
عسى زاد الغديد اسموم حي بيه
ياهو الجمع ماله وراح حي بيه
بخيت الحفض عرضه من الرديه
* * *
وقال مؤكدا على كرمه :
الك هاون بتالي الليل يارن
وتجري المثلك النهران يارن
جواوينك الكثر الهبش يارن
وصفرك صاح وين اهل الحمية

ذرية الشيخ بدر آل رميض
توفي الشيخ بدر عام 1942م وله عقب كثير والجدير
بالذكر ان ابنه حسن قد توفي على عهد والده ،لذا الت
الرئاسة الى ولده محسن الذي توفي عام 1959م ثم فارس الذي توفي عام 1974م
الحقيقة عندما خضت غمار هذا الموضوع وسيرة هذا الرجل المجاهد الذي شهد له عدوه بالشجاعة والبسالة
وحبه لوطنه وشعبه وجدت نفسي امام قمة من ققم العطاء الذي جاد بكل ما يملك ولم استطع ان اسطر الا النزر اليسير عن سيرته العطرة التي يجب ان تكتب
باحرف من نور في سفر الخالدين والمجاهدين وبالتالي يجب ان تُدرس هذه السيرة على مر العصور لتفختر به الاجيال بما سطر اباهم واجدادهم من بطولات وملاحم شهد اعدائهم بها لهم …

شاهد أيضاً

تنبيه الشباب وتوعيتهم من آفة المخدرات

الاضواء / ذي قار / زينب الشامي   مايحصل الآن في المجتمع نرى الكثير من …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.