أخبار عاجلة
الرئيسية / آراء حرة / ملامح الشخصية في روايات الكاتب الروسي دستويفسكي

ملامح الشخصية في روايات الكاتب الروسي دستويفسكي

كتب : شاكر مجيد الشاهين ـ العراق 

( ولد فيودرو ميخائيلوفيتش دستويفسكي في الثلاثين من تشرين الأول عام 1821 في موسكو و منذ أن فتح عينيه للنور وجد نفسهُ خارج المجتمع بين المذلين و المهانين , حيث الفقر و الألم و الموت , فنشأ في بيئة فقيرة و في كنف أب ذي أخلاق شرسة قاسية يعيش و عائلته في انطواء على النفس خارج حدود الحياة هكذا نشأ دستويفسكي بعيداً عن احتكاك بالعالم الخارجي , و محروماُ من الأصدقاء و من التجارب و من الحرية .
نشأتهُ القاسية و الضمأ الذي لا يرتوي للكتب تركا فيه أثراً فنيّاً قائماً بذاته , ليُشكل بحد ذاته عالماً مترامي الأرجاء عميق الأغوار متكامل العناصر و عواطف امتزج فيها الحب بالحقد , و الكبرياء بالتواضع و الثورة بالاستسلام , و الرحمة بالقسوة و الإيمان بالكفر و أفكار أصبحت قوةً لا تُقهر .
قد لا نعرف الكثير عن دستويفسكي و لكننا -دون ريب- نستطيع أن نلمس شخصيته الحقيقية و ما يختلج في نفسه من مشاعر و متناقضات من خلال أبطاله .
إن اعتماد دستويفسكي على تقنية الحوار الداخلي بشكلٍ مكثف كما في رواية “المزدوج” و أخواتها رواياته الأخر ,مكنه من أن يسبر أغوار شخصيات أبطاله و أن يتغلغل في نفسياتهم … مكرساً بذلك عبقريته في تحليل النفس الإنسانية , حيث قال عنه “نيتشه” : ( دستويفسكي الكاتب الوحيد تعلمت منه شيئاً من علم النفس ) و قال عنه “فلاديمير نابوكوف ” : ( إن رواية دستويفسكي ” المزدوج ” أعظم كتاب كتبه ) .
اتسم انتاج دستويفسكي الروائي بالمنهج الفني الجديد في روسيا , حيث اتجه الى البحث العميق في نفسيات أبطاله , فقدم صورةً واضحةً جليةً لواقع الحياة حين ذاك خاصة في ( الجريمة و العقاب , و الأخوة كرامازوف ) الى جانب رواياته الأخرى التي وصف فيها حياة الفقراء … عالم الفقراء الروحي و الأخلاقي المرتبط بوجودهم المادي , كما ركز على عالم شخصياته الداخلي و المبادئ الإنسانية و الأخوة و الضمير الحي , و النفس القادرة على التضحية و المعاناة , و حمل على عاتقه في رواياته معالجة الأحداث الجارية , آن ذاك , و رسم تأملاته التحليلية تجاه الواقع للخروج من أزمة الحياة التي كانت سائدة آن ذاك , فهاجم الشر الاجتماعي و وقف الى جانب الإنسان البسيط المضطهد الذي بنى حلمه عليه و آمن به إيماناً كبيراً )
إلا أن ثمة مؤشرات على شخصيات الروائي دستويفسكي نثبتها لعلنا نصيب في بعض أحكامنا . نعلم أن لا رواية من دون شخصية فالشخصية عنصر مهم في الرواية و هي ما يبقى عالقاً في ذاكرتنا حتى يمكن أن ننسى اسم الروائي و لا ننسى اسم البطل .
و إذا كانت هوية الشخصية قد تبتعد أحياناً في روايات أخرى عن الافصاح فإن شخصيات الراوي دستويفسكي تكون كاملة التوصيف التعريفي فشخصياته هي ضمن الملاحظة و التجربة و الرصد و أحياناً من المعايشة .
إلا أن ثمة غرائبية تضفي على بعض شخصيات دستويفسكي خاصةً في روايته ( المزودج ) و لعلها هنا تأتي من مفهوم البناء التشكيلي الذي يربط بين الواقعية و الغرائبية .
في بعض المناحي لشخصيات دستويفسكي ثمة بحث عن فردية-نفسية , هوية و انتماءاً , كما ابتعاداً عن عمومية اجتماعية , ربما كان السبب هو عزلة الراوي العليم نفسه التي تربى عليها في عائلة لا تسمح بالانفتاح الاجتماعي المكمل و المعتمد عليه في بناء الهوية الشخصية و ملامحها الاجتماعية المتفاعلة من دون تقييد و تكبيل و انطواء جامد .
و بعض شخصيات دستويفسكي تحتاج الى جهد القارئ الذاتي للوصول الى كُنه بُنيتها , إثارةً و تأويلاً احتماءاً عن القلق الذي يراود القارئ عندما تسود الضبابية في التثبت و التشخيص المعنيتين في كشف المستور المُغَلَّف بفعل السرد العائم على قصدية غير معروفة مناط معرفتها على ما يصبو إليه الراوي العليم .
هناك شخصيات رومانسية البناء تجد الحب هو الحل و العلاج كمل في رواية بين ( رسائل من تحت الأرض ) حيث يركز دستويفسكي على أن السبيل الوحيد لصفاء النفوس و بناء المجتمع سلمي العلاقات بالمبادرات الخلاقة للوئام و الانسجام في أجواء إنسانية بعيدة عن الآيديولجيات المتصارعة المبيدة لكل التطلعات الإنسانية السامية في حياة حرة سعيدة .
اعتماداً على حمدي العطار في ” ملامح الشخصية في الرواية العراقية “

شاهد أيضاً

 جبهات

بقلم : علي هترو الحويزاوي  قال الله تعالى(إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.