الرئيسية / آراء حرة / مشهد الذاكرة المفضل

مشهد الذاكرة المفضل

كتب ـ محمد الصنم ـ العراق مدينة الشرقاط

لقد كان علينا أن ننتظر طويلاً ريثما نُدرك في وقتٍ متأخرٍ حكمة الاتصال المباشر في مصادر الطبيعة ولعلها هي التي جعلتنا دائماً نطلب الحقيقة البسيطة دون التواءٍ أو ادعاءٍ أو استعراضٍ مصطنع.

ليلة قمرية هادئة وأنتِ ومن حولنا أزهار الياسمين والليمون مخلوطة بأزهار النارنج في إحدى حدائق المنزل المُطل على شاطيء ذاك النهر الخالد “دجلة”.

تبدين للوهلة الأولى وسيمة ورقيقة إذ لو هبت عليكِ نسائم آذار لأصبحتِ تتهادين على وقع أنغام الربيع، وأنا اتأملكِ واسأل نفسي هل خُلق الجمال ليختصر على عينيكِ أم أن عينيكِ خلقت لتعلمنا كيف يكون الجمال..؟!

أنتِ جميلة بصورة غير محددة، بصورة خاصة، لا يمكن شرحها بالكلمات، فبعض النساءِ خلقت لتبقينا مذهولين ونحن نناجي أطيافهم الجميلة.

مع ابتعادنا عن اجواءِ القرية فيما بعد، صارت تلك الصور الريفية الجميلة أول ما يبرز في ذاكرتنا من القرية؛ بل الأكثر وضوحاً من ذلك حين نعود بذاكرتنا إلى تلك الأيام وأحلام الطفولة البريئة، حين نتصور القرية لوحة من الجمال الطبيعي الأخاذ والعصافير المغردة والحياة البسيطة الهانئة مقارنة مع تعقيدات المدينة ومناظرها القاتمة.

وسط كل هذه الذكريات الجميلة المحملة بالنقاء وبينما على الجانب الآخر تغزو المدنية مفاصل الحياة وتُجرد الناس من مظاهر الجمال والبساطة والعفوية، تتضح لنا فكرة أن يبقى المرء صامداً يواصل مهامه اليومية وهو يتألم، يبتسم أمام الناس وفي قلبه سنين من البكاء، يتعامل مع الناس رغماً عن رغبته في الهروب والأنعزال عن العالم، يسند الجميع وهو هش محطم تماماً، ويدفعهم للأمل وهو غارق في حزنه وتعاسته.

هذه الرغبة في الأنعزال عن العالم لا نقصد بها تجاهل الأصدقاء، ولا نعني بها أننا توقفنا عن الحب، ولا ننوي الابتعاد؛ فقط كل ما نريده أن نقترب فيها من أنفسنا لتزهر أكثر.

كل هذا يجعلنا أمام نتيجة واحدة لا ثاني لها : يتوجب على المرء مواصلة حياته رغماً عن تعبه ومأساته، فكلما أراد الأعتراف بـ التعب أو فكر للحظة في الأنهيار سمع صوت بداخله يقول ” إياك أن تقول تعبت، نحن لا نملك رفاهية الأنهيار “.

في منعطفات الحياة وتقلباتها ووسط كل هذا التخبط لا بد من وجود من يهون عليكَ الطريق، يُذكركَ بأنه يحبكَ في ختام كل حديث حتى لو كان حديثاً عن مشاكلِ الإنجاب عند القطط؛ بينكَ وبينه عزفٌ من إيقاع خاص لن يفهمه أي شخص آخر، أرواحٌ في حالة عناق‎.

في هذا المساء الهادئ، سأتجه نحو النهر، وعليّ أن انتظر قبلة على الخد أو زهرة بنفسج، عليّ أن أتوقع كل شيء فالمساء هادئ.

أحبُكِ مجدداً، وأردت أخباركِ بأن لقائنا الأول سيبقى مشهد الذاكرة المفضل لديّ، وبأن حب الشباب الذي داهم وجهكِ بغتةً لم يزده إلا جمالاً، وأنني أُطيل النظَر نحو عينيكِ تماماً، وأهمس لها : متى تحول البحرُ وأتى إلى هنا؛ ثم هل تعلمين بأنني غارقٌ يرفض كل أسباب النجاة، أحبكِ وفقط.

شاهد أيضاً

بقلم: المستشار د. فاتن بدر السادة ـ  قطر  كنوز مبدعة تحقيق التميز في خدمة العملاء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.