الرئيسية / آراء حرة / مـهـن منقرضـة (( التصـوير الشمسـي ))

مـهـن منقرضـة (( التصـوير الشمسـي ))

كتب : جمال عابد فتاح  ـ العراق

 

مازلنا نتذكر المصور الشمسي وكاميرته الخشبية، المثبتة على ستاند خشبي، وكان المصور يدخل رأسه من خلال قماش اسود داخل الكامرة ليكمل انجاز الصورة..

كان هؤلاء ينتشرون قرب الدوائر الحكومية وبخاصة الأحوال المدنية والسفر والجنسية، والمعارف، والتصديقات، والمستشفيات، وفي أماكن معلومة من بغداد، وكان التقاط الصورة يعتمد على النكتف ثم يتم تحويلها الى بوزيتف ولم يكن استخراج الصورة يستغرق خمس دقائق.. هكذا كان الحال قبل ظهور الكاميرات الضوئية الحديثة ومن ثم الديجيتال. وكان المصورون الشمسيون ينتشرون في الساحات العامة فضلا عن الأماكن التي تطرقنا إليها.

 

مقدمة عن فن الفوتوغراف في العراق

 دخلت آلة التصوير للعراق عام 1895 أي قبل الحملة البريطانية على العراق ويقال أن المصور عبد الكريم ابراهيم يوسف تبوني وهو مسيحي كلداني من  (اهالي البصرة  ) كان قد سافر الى بومباي بالهند للدراسة  وهو من اوائل الذين مارسوا فن التصوير في العراق, في البصرة, بعد عودته للعراق حيث جلب معه استوديو للتصوير الفوتوغرافي

ومع دخول القوات الانجليزية المحتلة الى بغداد أنتقل اليها وافتتح ستوديو للتصوير الى جانب المصور عبوش الذي كان قد جاء من لبنان للعمل مع تاجر تصوير يهودي يدعى حزقيل وافتتحا ستوديو في معسكر الهنيدي (معسكر الرشيد) , ثم افتتحا محلين آخرين عند رأس جسر الاحرار … الاول باسم عبوش وشريكه والثاني مصور ميسوبوتيميا (وادي الرافدين) , ومعظم عملهما اقتصر على تصوير الجنود الهنود من السيخ والكركا وجنود وضباط الجيش البريطاني

ثم اشتهر المصور (بويزنجر) الذي كان يعمل بالجيش البريطاني والذي صور الجنرال (لجمن) الذي اغتاله الشيخ ضاري .

ويمكن ان نقول ان هذا الفن انتشر وازدهر مع بداية الاحتلال البريطاني للعراق , وكذلك البعثات الإثارية استعملوا آلة التصوير لتوثيق الآثار خاصة التي يصعب حملها ونقلها . وفي دراسة أنثروبولوجية للبروفسور (هنري فيلد) عن وادي الرافدين ألتقط صورا كثيرة لسكان العراق في انحاء القطر …ساعده فيها المصور(شوكت) أبن اخت المصور (عبد الكريم) الذي اوردنا ذكره أعلاه . وقد سجل البروفيسور هنري شكره للمصور شوكت في مقدمة كتابه مما يدل على براعة المصور العراقي رغم حداثة دخول هذا الفن في العراق . كما ان للبعثات التبشيرية التي كانت تأتي لزيارة الاماكن المقدسة والمعالم الدينية والمدنية كان ايضا لها الدور الفاعل في ادخال هذا الفن وانتشاره في العراق

ونظرا لكون من امتهنوا التصوير كانوا من الرجال فقد كانت هناك ردود أفعال كثيرة في المجتمع العراقي الملتزم بالدين وتسوده تقاليد اجتماعية , حيث كانت معظم العوائل ترى في التقاط الصورة أو كما يسمونه(الرسم) عيبا كبيرا . حتى جاءت مصورة أرمنية الاصل من ايران الى بغداد تدعى (ليليان) اختصت بتصوير العوائل والعائلة الملكية

ويذكر الكاتب أمين الريحاني في كتابه ملوك العرب – اضطرار الملك فيصل الاول لتصوير زوجته بسبب الحاجة الماسة للعلاج في سويسرا … أن جاء المصور الى القصر الملكي وقام بتصويرها صورة واحدة فقط , ثم أتلف الفيلم السالب . هذه الحادثة تعكس جانبا من نظرة المجمع الى فن التصوير آنذاك كنتيجة افرازات اجتماعية ودينية بينما التصوير لم يكن منهيا عنه جملة وان النهي كان عما هو مسف ويحول بين العبد وربه ويسئ الى الاسلام .

أين المصور الشمسي !!! ؟؟؟

رغم انتشار ستوديوهات التصوير والتي تعتمد على الاجهزة والتقنيات الحديثة في التقاط الصور وطبعها . مع ذلك فقد بقي قلة منهم لا يعدون على أصابع اليد . ان أغلب المصورين الشمسيين هم من الارمن النازحين بعد الحرب العالمية الثانية الى العراق . والغالبية منهم استقروا في بغداد والموصل. وكانوا يعملون بتصليح الساعات والاجهزة الدقيقة والتصوير الفوتوغرافي .

ويعتقد ان أول مصورا يدعى (طاطران) هو أول من عمل بالتصوير الشمسي … وزاول عمله عند مدخل الاعدادية المركزية في الموصل

أن دخول التكنولوجيا الحديثة الى مهنة التصوير أدى الى عزوف الناس عن أخذ صورة شمسية . واغلب الناس تحب التقاط الصور حتى الشخصية منها لأغراض المعاملات يريدونها بالملون . وهكذا شيئا فشيئا أنحسرت مهنة المصور الشمسي ان لم نقل انتهت وماتت , ونحتاج أن نحنط فنان التصوير الشمسي بتمثال ونضعه في المتحف البغدادي باعتباره ارثا حضاريا كان له الدور الاساسي في حفظ تاريخ العراق من الضياع

 التصوير الفوتوغرافي هو فن قبل ان يكون مهنة مثل باقي الفنون وله مبدعيه ورواده الاوائل منهم :

المصور الاهلي في الحيدر خانة الذي أرشف لنا تاريخ بغداد بصوره . وستوديو بابل لصاحبه المرحوم جان ,وستوديو قرطبة – في شارع النضال منذ الخمسينات للمصور الصحفي امري سليم , والفنان المصور حازم باك والمصور أكوب خال المصور الفنان مراد الداغستاني . كوفاديس ما كريان ,سامي النصراوي, احمد القباني, جاسم الزبيدي, فؤاد شاكر والمرحوم المصور الصحفي رشاد غازي وآخرين غيرهم .

ومن المصورين الشمسيين المشهورين في البصرة هو المصور ابو صباح والذي اشترى كامرته الشمسية عام 1956 وهي من منشأ بريطاني , وكان يأتيه المصورين الهواة وبعض منتجي الافلام الوثائقية واللذين يقصدونه باستمرار ليس اعجابا بكامرته وانما رغبة منهم في الحصول على حصادها خلال السنيين الماضية .

وابضا هناك مصورين مشهورين في البصرة والذاكرة لا تسعفني لذكر اسماءهم , فهناك مصور شمسي بقف في البصرة القديمة  مقابل المحكمة القديمة وقرب مديرية ماء ومجاري البصرة ,وكذلك هناك مصور يقف اما الجنسية والجوازات القديمة في منطقة مقام علي والقريبة من ساحة اسد بابل , وهناك اخر يقف في ام البروم , واخر في العشار ,ولكنهم الان قد اختفوا

وهذه المهنة المهمة في وقتها كانت تدر امولا ضئيلة جدا على اصحابها ولكنها كانت تسد حاجتهم رغم الضائقة المالية التي تعتريهم .

وانا قد جسدت شخصية المصور الشمسي عندما كنت في كلية الادارة والاقتصاد في المرحلة الثانية حيث الفت مسرحية اسمها ( المصور ) تكلمت فيها عن معاناة المصور الشمسي , وقد لاقت نجاحا كبيرا جدا في الكلية لأنها لا تخلوا من المزحة والطرفة الجميلة , وقد كان يطلب مني ان اعيد تمثيلها في اغلب المناسبات الوطنية في حينها , وقد شاركني دور البطولة فيها اخي وصديق الطفولة الاخ ثائر عبد الامير الشاوي  ايام كانت بطعم الشهد ولا يمكن ان تنسى ابدا .

شاهد أيضاً

العيد وفرحة الأطفال

قلمي. منى فتحي حامد – مصر عيد الفطر فرحة الكبار والصغار، يأتى بعد صيام شهر …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.