الرئيسية / آراء حرة / تنمية الحس الأمني لرجل الحدود والكمارك

تنمية الحس الأمني لرجل الحدود والكمارك

كتب : عبدالكريم سعيد البيضاني ـ باحث في الأعلام الأمني

 

تُعدّ الأجهزة الأمنية على الحدود والمنافذ الكمركية خط الدفاع الأول في حماية الدولة من التهديدات الخارجية، سواء كانت أمنية أو اقتصادية أو اجتماعية. ومن هنا، فإن رجل الحدود والكمارك ليس مجرّد موظف يؤدي واجبًا روتينيًا، بل هو عين يقظة وعقل متيقظ يقي الدولة من الأخطار الكامنة. وفي ظل التطورات المعاصرة وتزايد التهديدات بأشكالها المختلفة، أصبح من الضروري تنمية الحس الأمني لرجل الحدود، وتعزيز مهاراته في قراءة لغة الجسد ولغة العيون، باعتبارها أدوات فعّالة في كشف النوايا وكشف التهديدات قبل وقوعها.

أولاً: مفهوم الحس الأمني وأهميته لرجل الحدود والكمارك

الحس الأمني هو القدرة على استشعار المخاطر والتهديدات قبل وقوعها، من خلال ملاحظة المؤشرات والأنماط غير الاعتيادية، وتحليل السلوكيات التي قد تشير إلى وجود نية خبيثة أو نشاط غير مشروع. وهذا الحس لا يُكتسب فقط عبر التدريب الأكاديمي، بل يحتاج إلى مزيج من الخبرة والملاحظة الدقيقة والانتباه الدائم والقدرة على الربط والتحليل.

بالنسبة لرجل الحدود والكمارك، فإن الحس الأمني يشمل معرفة الأنظمة والقوانين، والقدرة على اكتشاف محاولات التهريب، ومراقبة التصرفات المشبوهة، بالإضافة إلى الفطنة في التعامل مع الحالات الطارئة أو الأشخاص الذين يحاولون التلاعب بالأنظمة.

من دون حس أمني متطور، يمكن أن تمر التهديدات بسهولة، مهما كانت التكنولوجيا متقدمة. فالكاميرات وأجهزة المسح لا تُغني عن العقل البشري المتنبه، الذي يستطيع قراءة ما بين السطور، والتفاعل مع الإشارات الصامتة، والتصرف السريع عند الضرورة.

ثانيًا: دور التدريب والتأهيل في تنمية الحس الأمني

لا يُولد الإنسان بحس أمني، بل يُنمّى عبر برامج تدريبية متخصصة، تشمل التدريب على مراقبة السلوك، وتقييم المخاطر، واستخدام أساليب التحليل المنطقي. كما تتضمن هذه البرامج دراسات حالات سابقة، وتمارين محاكاة، وتدريبًا عمليًا على كيفية اكتشاف محاولات التهريب أو الاختراق.

يُفترض أن يمتلك رجل الحدود والكمارك القدرة على التفريق بين السلوك الطبيعي وغير الطبيعي، وفهم دوافع الأشخاص، والتصرف بحذر دون إثارة الشبهات. وهذا يتطلب تدريبًا على مهارات التواصل، وضبط النفس، وسرعة البديهة.

كما يجب أن يكون رجل الحدود ملمًّا بالبيئة الجغرافية والقبلية والاجتماعية للمنطقة الحدودية التي يعمل فيها، لتساعده في تمييز الغريب عن المألوف، وفهم الإشارات المحلية الخاصة بالسكان والمارة.

ثالثًا: لغة الجسد كلغة أمنية مساعدة

تُعدّ لغة الجسد أداة فعّالة في العمل الأمني، لأنها تكشف عن الانفعالات الحقيقية التي قد لا يستطيع الإنسان إخفاءها، حتى لو حاول إظهار العكس بالكلام. وتشمل لغة الجسد مجموعة من الحركات والتصرفات غير اللفظية مثل:

  • تعابير الوجه (القلق، التوتر، الخوف)
  • حركة اليدين والقدمين (الارتجاف، الحركات العصبية)
  • اتجاه النظرات (الهروب من النظر، أو التحديق الزائد)
  • نبرة الصوت
  • وقفة الجسم (الارتباك، الانكماش، أو التحفّز المبالغ فيه)

رجل الأمن المدرب يستطيع أن يلاحظ الاضطراب في السلوك الحركي، وأن يربط بينه وبين احتمالية وجود أمر مريب، كأن يكون الشخص يحاول تهريب مادة محظورة، أو يحمل وثائق مزورة، أو يُخفي أمرًا مهمًا.

إن تطوير مهارة قراءة لغة الجسد يساعد رجل الحدود على كشف النوايا قبل أن تتحول إلى أفعال، ويمكن أن يكون الفارق بين النجاح في إحباط تهديد، أو الفشل في منعه.

رابعًا: لغة العيون كأداة في قراءة النوايا

تُعرف لغة العيون بأنها النافذة التي تعكس ما يدور في النفس، فالإنسان قد يستطيع أن يتحكم بكلماته، لكن من الصعب أن يُخفي ما تكشفه عيناه. ومن أبرز الإشارات التي يُمكن أن يعتمد عليها رجل الحدود أو الجمارك:

  • تجنب النظر المباشر: وقد يدل على خوف أو محاولة إخفاء شيء.
  • الرمش السريع: قد يدل على توتر داخلي.
  • التحديق المبالغ فيه: محاولة لتأكيد الكذب أو إثبات موقف غير صحيح.
  • نظرات القلق المتكررة إلى الأجهزة أو رجال الأمن أو الحقائب.

عند الجمع بين لغة العيون ولغة الجسد، تتكوّن لدى رجل الأمن صورة أولية عن الشخص الذي يتعامل معه، وتصبح لديه القدرة على تقييم مستوى الخطر المحتمل واتخاذ الإجراءات الوقائية قبل أن تتطور الأمور.

في ظل التحديات الأمنية المتزايدة وتطوّر أساليب التهريب والاختراق، بات من الضروري أن يُعاد النظر في تدريب وتأهيل رجال الحدود والكمارك. فالمعدات التقنية مهما بلغت دقتها، لا تُغني عن العنصر البشري المتدرّب والمجهز بحس أمني عالٍ. ويُعدّ إتقان قراءة لغة الجسد والعينين أحد أبرز الأساليب المعتمدة اليوم في العمل الأمني الفعّال، لما له من قدرة على كشف النوايا الخفية، والتنبؤ بالسلوك قبل وقوعه. وبالتالي، فإن تنمية الحس الأمني لرجل الحدود لا يجب أن يُنظر إليه كخيار، بل هو ضرورة وطنية، تضمن أمن الدولة، وتحمي المجتمع، وتُسهِم في تعزيز سيادة القانون.

شاهد أيضاً

التزام الصين البيئي: من التجربة الشخصية إلى نموذج عالمي في الاستدامة

د. نزار گزالي – دكتوراه في علم النفس وسط شهر آب كان لي شرف زيارة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.